في المقابل، ترى ياسمين أن الهامش بين سعر صرف السوق الحرّة، وسعر «صيرفة» تقلّص كثيراً، أي أن المبلغ الذي يمكن أن تحقّقه من عملية إيداع الليرات بهدف شراء الدولارات، لا يستأهل الوقوف في الطوابير على أبواب «فرنسبنك» حيث توطن راتبها. بالنسبة لها فإن التذلل لأحد الموظفين أو النافذين لا يستحق، فبالكاد ستغطّي القيمة المحقّقة بعض الحاجات الشخصية، بينما هي ليست مضطرة، وفق تعبيرها، على معايشة هذا القلق، كونها تحصل على مصادر دخل من إخوتها في الخارج.
صحيح أن الفارق الضئيل بين سعر السوق وسعر صيرفة ليس جاذباً بحكم المخاطر التي يراها الأفراد في الانخراط بعمليات من هذا النوع مع المصارف المفلسة، إلا أن عوامل عدّة تحجب هواجسهم وتدفعهم للمخاطرة بهدف تأمين مداخيل إضافية تغطّي بالحد الأدنى إنفاقهم على الخدمات الأساسية. فالقدرة الشرائية تدنّت وتآكلت بفعل التضخّم وغياب التوجّه الحكومي لتصحيح فعلي للرواتب والأجور يتجاوز عملية الترقيع التي اتخذت بزيادة الحدّ الأدنى إلى 2.6 مليون ليرة وزيادة بدل النقل إلى 95 ألف ليرة عن كل يوم عمل. الزيادات الأخرى التي اتفق عليها لن تطبق لأنها تحتاج إلى انعقاد جلسة لمجلس الوزراء وإقرارها بمرسوم.
بالتعميم 161 يدفع مصرف لبنان الناس نحو مهنة المضاربة
وبين «صيرفة - الإيداع» و«صيرفة - رواتب الموظفين» يتوزّع جهد الأسر للحصول على هذا القدر الضئيل من الدخل الإضافي. إلياس، مثلاً، لم يستوعب إلى الآن التغير الحاصل في نمط عيشه إذ بات عليه أن يتخلّى عن مزايا كثيرة مقابل الحفاظ على مستوى تعليم أولاده، إلا أن خطواته لم تعد تكفي لذلك ما دفعه إلى ممارسة المضاربة المبنية على تعاميم الحاكم رياض سلامة. فقام على مدى يومين بإيداع 500 مليون ليرة في حسابه لدى «فرنسبنك» على أن يسترجعها بالدولار النقدي بعد أربعة أيام عمل متواصلة «مثيرة للقلق تحسباً من صدور تعميم جديد يكبدّه خسائر، أو خوفاً من «ابتلاع المصرف لحسابه لسبب ما»، أو «ارتفاعاً مفاجئاً في سعر صيرفة».
البحث عن رأسمال لممارسة المهنة الجديدة المربحة، دفعت خليل إلى إقناع زوجته برهن مجوهراتها لدى القرض الحسن مقابل دولارات نقدية يبيعها في السوق الحرّة ثم يودعها في حسابه لدى «بنك لبنان والمهجر» لاستردادها على سعر صيرفة. يأمل في أن تعوّضه هذه العملية، خسارة تكبدها في استثماره في برنامج «ولدي plus» لدى المصرف نفسه.
بين الخوف من المستقبل المجهول، وبين الاستبقاء على ماضي الرخاء والبحبوحة، وبين «زيادة الخير خير»، و«البلاش كتّر منّو» و«بحصة بتسند خابية»، هناك فئة العاطلين من العمل الذين وجدوا في التعميم فسحة عمل. إذ يتولّى بعض أفراد هذه الفئة نيابة عن مودعين بموجب وكالات أو تكليفات، للقيام بعملية صيرفة، أو بموجب علاقات مع مالكي أو مساهمي أو مديري بعض المصارف لتسهيل تلك العملية.