«يجب الحفاظ على هذا الإنجاز وهذا الانتصار، ويجب تقويته وتحصينه، وهذا يحتاج إلى جهد وتضحية أكبر، وإلى تواضع كبير أيضاً من الجميع».السيد حسن نصرالله في عيد المقاومة والتحرير، 26 أيار 2000

لا شك أن خطاب السيد حسن نصر الله في ذلك اليوم يُعرّف قِيم وتوجّه وروح المقاومة المسلّحة في وجه الاحتلال الإسرائيلي. إذ إن إصرار السيد على رفع مستوى الوعي وتجنّب فخّ الصراعات الداخلية ودعوته القضاء اللبناني إلى محاكمة العملاء وعدم تصفيتهم، كما يحدث غالباً بعد التحرير من الاحتلال الأجنبي، يدل إلى تمسّك قيادة المقاومة بـ:
• المعايير الأخلاقية والإنسانية والدينية الداعية إلى احترام كرامات الناس وتجنّب الثأر والقتل والتعذيب.
• مبادئ العدل والإنصاف والمطالبة بمحاسبة العملاء أمام قضاء نزيه ومستقل.
• الروح الوطنية اللبنانية، إذ إن التحرر من الاحتلال من أسمى وأرفع الإنجازات الوطنية.
• التعددية والديمقراطية والتنوّع الذي يتميّز به لبنان في الوطن العربي.
في المقابل، لم يُستجاب إلى مطلب المقاومة بمحاكمة العملاء محاكمة عادلة، ولم تتمكّن الدولة من ملاحقتهم بشكل حاسم، فالقضاء اللبناني ليس مستقلاً وهو عاجز عن القيام بكامل واجباته. وبكل أسف، لم تبدأ ورشة إصلاح نظام العدالة في لبنان، لا قبل التحرير ولا حتى بعده. وقد أدى ذلك إلى إفلات العديد من المتعاملين مع العدو الإسرائيلي من المحاسبة. كما ساهم ذلك بشكل واسع في تعميم جوّ من الإفلات من العقاب، ليس فقط في جرائم العمالة للعدو، بل في جرائم سرقة وقتل ونهب وتفجير وخطف وغيرها.
لا يفترض أن تتساهل المقاومة مع الظلم في البلد الذي حرّرته من الاحتلال. فمن حق الناس أن تستعيد أموالها المحتجزة في المصارف، ومن حق ذوي ضحايا انفجار المرفأ الاقتصاص من المجرمين عبر القضاء، ومن حق كل من تعرض لأذى أن يلجأ إلى قضاء نزيه ومستقل لا يخضع للتدخلات السياسية والطائفية.
إن ما أنجزته المقاومة عام 2000 لا يُكتمل إلا بإصلاح مؤسسات الدولة وإداراتها وخصوصاً القضاء. فالتحرير هو شكل من أشكال تحقيق العدالة، ولا يفترض أن يكون مجرّد حدث عابر بل نقطة تحوّل نحو العدالة والإنصاف في كل المجالات لأن القيَم لا تتجزّأ. ولا بدّ من الإضافة هنا أن من حق السوريين إعادة بناء بلدهم والعودة إلى ديارهم آمنين في أسرع وقت ممكن.

جليل الجنوب
عيد المقاومة والتحرير لا يكتمل إلا بتحقيق العدل والإنصاف للقضية المركزية، إذ لا يمكن أن تكون العدالة لصالح مجموعة من الناس دون غيرها. فلا بدّ من عودة إخوتنا وأخواتنا الفلسطينيين إلى ديارهم وأراضيهم وأرزاقهم. قد شكّل تحرير الجنوب والبقاع الغربي من الاحتلال الإسرائيلي عام 2000 محطةً أساسيةً على طريق تحرير القدس وكامل الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلّة. فهذه المقاومة وهذا الحزب قد تأسّسا تحت شعار «يا قدس إننا قادمون». وكل ما يقال عن وجوب حصر عمل المقاومة واهتماماتها بلبنان هو كلام غير واقعي بحكم التاريخ والجغرافيا والانتماء والدين. فالمقاومة في لبنان كقوة دفاعية وحدها لا تكفي، خصوصاً في وجه عدو غدّار مجرم وخبيث كما شهدنا في حولا وقانا وصبرا وشاتيلا وغيرها من المجازر التي ارتكبها العدوّ بحقّ المدنيين العزّل. وبالتالي، وإلزاماً بحق اللبنانيين بالدفاع عن أنفسهم نتحدث عن قوّتَين: دفاعية عندما يتعلق الأمر بالمنطقة التي تقع شمال الخط الأزرق، وهجومية عندما يتعلق الأمر بالمنطقة التي تقع جنوب الخط الأزرق، حتى يفهم العدو أن المقاومة لن تختبئ وتكتفي بالرد على مُطلقي النار على اللبنانيين فحسب، بل ستضرب عمق المستعمرات الإسرائيلية وستطاول صواريخها كل المدن الفلسطينية المحتلّة. في نهاية المطاف، لا بد من تكامل بين تحرير جنوب لبنان وتحرير الجليل، فالاحتلال الإسرائيلي لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية الغجر دليل الامتداد الجغرافي الذي يُضاف إلى التكامل والتلاحم بين الشعبَين الفلسطيني واللبناني.

نموذج التحرير
المقاومة في لبنان قدّمت نموذجاً لكل العرب ولكل مَن ناصر الشعب الفلسطيني، بأن هزم الجيش الظالم «الذي لا يقهر» ممكن، وأن المقاومة قادرة على مواجهة العدو حتى لو دعمته كل الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية وحتى بعض الأنظمة العربية بالمال والسلاح والاستخبارات والتكنولوجيا. فقد تمكّنت المقاومة، بفضل عزيمة وثبات المجاهدين وبفضل الدعم الشعبي الواسع وتكاتف الشرفاء، من تطوير أدائها وأساليبها ونوعية ترسانتها العسكرية وكفاءة جهاز الأمن والاستعلام ورصد وتعقّب العملاء، وثبّتت النصر عام 2000 بنصر ثانٍ في صيف 2006. وهي تسعى اليوم للحفاظ على ما أنجزته بكل ما لديها من قوة، فهذا العدو لا يفهم إلا لغة القوة.
في عيد المقاومة والتحرير هذا العام، كما في كل عام، تمدّ المقاومة في لبنان يدها إلى إخوتها وأخواتها في فلسطين المحتلّة وتقول لهم إن الاحتلال سيُقتلع وإن الأرض ستعود إلى أصحابها وسيتحقّق العدل.