تبدو الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية، الممسوكة من أحزاب السلطة، عاجزة عن القيام بأي تحرك غير تقليدي. وهي تعوّض هذا العجز البنيوي، بالبحث عن إنجازات وهمية والتحول إلى «معقّب معاملات» إدارية. علماً أن مشاكل الأساتذة تُحل بالسياسة والمواجهة مع السلطة، لا بالمتابعات الإدارية المرتبطة بالجهاز الإداري وبرئاسة الجامعة التي عليها إنجازها.ويلفت الأستاذ المتعاقد في معهد العلوم الاجتماعية عبدالله محي الدين إلى «أننا نعيش مرحلة من التحولات الهيكلية في العمل النقابي الذي انتقل من خوض معارك شرسة للدفاع عن الفئات التي يمثلها إلى نقابات ناعمة يتوافق عملها مع الطروحات النيوليبرالية في السلطة وخارجها. الرابطة أصيبت بهذا الفيروس، وأصبحت تشبه الاتحاد العمالي العام وغيره من النقابات العمالية التي تكتفي بملاحقة قضايا العمال الذين يواجهون مشاكل في عملهم لدى مجالس العمل التحكيمية، إلى جانب عقد ورش العمل حول قضايا عامة كما لو أنها جمعية دراسات أو شيخ صلح».
بذلك، أصبحت الرابطة «جعجعة بلا طحين»، كما يقول الأستاذ في كلية العلوم علاء غيث. فهي لم تتخذ أي موقف حيال غياب الشفافية في توزيع أموال الأبحاث ومصير أموال الـ PCR، «وكلما سألنا عمّا تفعله الرابطة لحماية حقوق الأساتذة تُرمى أمامنا القرارات والمراسيم التي لا نعرف آلية تنفيذها ومنها مرسوم الـ 255 ملياراً التي أعطيت كبدل إنتاجية لإنهاء العام الدراسي، فيما زيادة تعرفة الأعمال الاستشفائية 50 ضعفاً رهن بوجود الأموال في صندوق التعاضد الذي تقرر إعطاؤه 150 مليار ليرة من دون أن نعرف إذا كانت ستصل أم لا بعد ورود خطأ في المرسوم الصادر في الجريدة الرسمية».
وبحسب الأستاذة في كلية الآداب، داليا خريباني، تتعاطى الهيئة النقابية بدبلوماسية مع السلطة، وتكتم كل صوت ينتقدها، فيما عزوف الأساتذة عن دفع اشتراكاتهم والمشاركة في الجمعيات العمومية مؤشر إلى فقدان ثقتهم بها. وتشير إلى «أننا لم نحصّل مكتسبات حقيقية على مستوى الرواتب التي لا تتجاوز 300 دولار، والحوافز ولا سيما إنتاجية كانون الثاني وشباط»، مؤكدة أن الرابطة لا تملك ترف الوقت، ومدعوّة لإيجاد حلول سريعة تنعش الأساتذة وتوقف نزيفهم نحو الجامعات الخاصة أو الهجرة، سائلة: «كيف سنعلّم أبناءنا في المدارس الخاصة التي تفرض أقساطاً تتجاوز 1500 دولار؟».
لم تنفّذ الرابطة تحركاً رمزياً واحداً للمطالبة بأموال الـ PCR


الأستاذ في كلية التكنولوجيا شادي خوندي، يرى أن أي مكسب حقّقه أساتذة الجامعة كان «بفضل جهود باقي مكوّنات القطاع العام وليس بفضل رابطة قرّرت أن تبتعد عن أي تصعيد، فلم تنفذ ولو تحركاً رمزياً واحداً أمام المدعي المالي وشركات الطيران للمطالبة بأموال الـ PCR». وفق خوندي، أداء الرابطة «لا يتناسب مع جامعة تلفظ أنفاسها الأخيرة، وأساتذة باتوا في أدنى السلم الوظيفي في القطاع العام بعدما تراجعت تقديماتهم الصحية أمام تقديمات تعاونية موظفي الدولة».
ومع أن الأساتذة ينتظرون أن تُضاعف التعرفة الطبية للفحوصات والأدوية وتحسين المنحة التعليمية، يشرح رئيس مجلس إدارة صندوق تعاضد الأساتذة، ربيع مكوك، بأن القرار الأخير لمجلس إدارة الصندوق بزيادة التعرفة يطاول فقط الأعمال الطبية الاستشفائية (IN) دون الأعمال الطبية الخارجية من تحاليل وأدوية وتعرفة الأسنان. ويقول إنه وضع الأساتذة في التفاصيل المتعلقة بالسلفة المقرّة لصندوق والتعاضد، أي الـ 150 ملياراً، و«نتابع المسار القانوني لإقرارها وتحويلها إلى حساب الصندوق». يقرّ مكوك بأن المبلغ «زهيد وليس كافياً لاستخدامه في تغطية جزء من الخدمات الصحية، ويحتاج إلى تحويل مبلغ شهري يتناسب مع عدد المنتسبين وذوي العهدة المستفيدين من الصندوق على غرار ما حصل مع صناديق أخرى، ليتمكن من تلبية الحد الأدنى من التغطية الصحية للأساتذة. كذلك هناك حاجة إلى مضاعفة المنحة التعليمية بالنظر إلى الارتفاع الحاد للأقساط».
رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة أنطوان شربل، من جهته أشار إلى «أننا نعمل على مجموعة مطالب منبثقة من برنامج عمل الهيئة واجتماعات مجلس المندوبين والجمعيات العامة، وهي محور لقاءاتنا واجتماعاتنا مع الرئيس نجيب ميقاتي ووزير التربية ورئيس الجامعة وجميع المعنيين. وباكورة النتائج زيادة 150 مليار ليرة لدعم صندوق التعاضد (إضافة إلى 30 مليار ليرة)، و255 مليار ليرة كحوافز مالية للأساتذة للعام الجامعي 2022/2023، وتشكيل لجنة رسمية لمتابعة قضايا الجامعة، بناءً على طلب الهيئة التنفيذية».
ويرى شربل أن «المسؤولين على دراية تامة بأن كل السيناريوهات مطروحة على طاولة الهيئة بغية تحقيق المطالب المحقّة، والعمل يومي، والمفاوضات والضغوط من جانب الهيئة لم تتوقف لحظة منذ انتخابها. وما الاجتماعات الكثيفة، مع مجلس المندوبين (اجتماعان) أو من خلال الجمعيات العامة (7 اجتماعات) في أقل من شهرين، إلا ضمن إطار توسيع مروحة المشاركة في القرارات، علماً أن جميع المساعدات تحت أيّ مسمّيات لا تفي الأستاذ الجامعي حقّه في ظل تدهور قيمة راتبه وفي ظل انكشافه استشفائياً وطبياً».