مضى أكثر من أسبوعٍ على توقّف العمل في هيئة إدارة السير ومصلحة تسجيل السيارات (النافعة) بعدما أوقفت شركة «إنكريبت» المُلتزمة بتقديم الخدمات المتصلة بالمكننة نظام التشغيل (البرنامج الإلكتروني) الخاص بالمصلحة، احتجاجاً على عدم تقاضيها متأخراتٍ بقيمة 59.8 مليون دولار تُطالب بها بالـ«فريش» دولار، ما حال دون قدرة الإدارة على الولوج إلى «السيستم» وإتمام المعاملات أو الاطّلاع على «الداتا».وفيما لم يصدر أي موقفٍ رسمي من المعنيين بالقضية يضع المتضرّرة شؤونهم وأعمالهم في صورة ما يحصل، ومصير هذا المرفق العام، تُعقد اجتماعات بين الوكيلة القانونية لـ«إنكريبت» ومديرين من الشركة ورئيس مجلس إدارة «النافعة» بالوكالة محافظ بيروت القاضي مروان عبود ورئيس دائرة تسجيل السيارات العقيد علي طه، للتوصّل إلى حلٍّ يُرضي الشركة التي «تبتزّ» الدولة اللبنانية بحسب مصدرٍ مُتابع.
وبعدما رفضت «إنكريبت» عروضاً سابقة، يجري البحث حالياً في اقتراحٍ من جزءين. لـ«أنكريبت» في ذمّة «النافعة» 7.500 مليون دولار ثمن بضاعة عن عامي 2021 و2022، تقترح «النافعة» شطب المبلغ وأن تدفع لـ«انكريبت» فقط ما يتوجب عليه من ضريبة على الأرباح وضريبة على القيمة المضافة (TVA)، وهو ما مجموعه 120 مليار ليرة، على دولار 15000 ليرة. بالمقابل، ومع استئناف العمل وحتى 24 أيلول تاريخ انتهاء العقد، تتقاضى «انكريبت» مستحقاتها وفقاً لدولار سعر منصة «صيرفة» وليس بالليرة اللبنانية، أي أن التسعيرة سترتفع على اللبنانيين. إلى هنا الطرفان متفقان، أما الخلاف فحول خصم نسبته 50% تطلبه «النافعة» على أسعار الخدمات، وهو ما ترفضه «انكريبت». بمعنى أن تسعيرة اللاصق الالكتروني على المواطن تصبح 3.5 دولار (وفق سعر صيرفة) عوضاً عن 7 دولارات، وتسعيرة رخصة القيادة 9 دولارات بدلاً من 18 وهكذا...
كما أن خلافاً آخر ينتظر حلّه، ففي العادة تعطي إدارة «النافعة» أمر مباشرة للشركة تحدد فيه كمية البضاعة المطلوب تأمينها من دفاتر السوق واللواصق الخ...، إلا أن رئيسة مجلس إدارة «النافعة» السابقة هدى سلوم، في العامين الماضيين أعطت أمرين مباشرة طلبت فيهما تأمين بضاعة بقيمة 30 مليار ليرة، من دون تحديد كمية البضاعة، وهو خطأ من سلوم. وفي حين تعتبر الإدارة الحالية لـ«النافعة» أن ما أمّنته «انكريبت» من بضاعة أقل مما كان عليها توفيره، وأن على الشركة الالتزام بتأمين الكمية الباقية، حتى بعد انتهاء عقدها مع المصلحة، لكن لغاية اليوم الشركة ترفض هذا الشق.
تدرك الشركة أن الخيارات معدومة أمام إدارة «النافعة»


ووفق المصدر نفسه، تدرك «إنكريبت» أنّه ليس أمام إدارة «النافعة» من خيارات، فليس من السهل فسخ العقد معها وتحمّل التبعات القانونية لهكذا خطوة، وإن كانت واردة وفق معنيين، كما أنها غير جاهزة في الوقت الحالي للقيام بأعمال الشركة، لأسباب مرتبطة مباشرة بموظفي الهيئة. فهؤلاء قسمان: الأول، يضم عدداً من الموظفين الذين جرى توقيفهم نهاية العام الماضي بتهم فسادٍ وتقاضي رشوة، وبعد أن أخلت الجهات القضائية سبيلهم، وانقضت المهلة القانونية (بين شهرين وأربعة أشهر) لمنع مزاولتهم المهنة، أحالتهم إدارة «النافعة» الجديدة على الهيئة العليا للتأديب، وهم ممنوعون من جديد من مزاولة العمل. أما القسم الثاني، فيتألف من مستخدمين خاضوا معارك لقبض مستحقاتهم التي توقّف دفعها منذ العام الماضي بالتزامن مع بدء حملة التوقيفات، ونفّذوا إضراباتٍ عدّة، وقُبيل إعادة فتح المصلحة أبوابها قبل أشهر، وُعِدَ هؤلاء بتسوية أمورهم، إلا أن الوعود لم تصدق. بالنتيجة، يستمر الاعتماد في العمل على عناصر وضباط قوى الأمن الداخلي، وبعض المتدرّبين.
«إنكريبت» شأنها شأن آخرين كُثر، غرفوا من أموال الدولة السائبة لسنوات وتعهّدوا مشاريعها والتزموا بخدمات إداراتها غالباً بدعم سياسي، وفق عقودٍ جلّها بالتراضي، ومجحفة في حق الدولة. وهؤلاء أنفسهم يستغلون فرصة الانهيار في ما بات يشبه «الدولة». وفي حالة «إنكريبت»، ربما الأجدى البحث حول تملّكها نظام التشغيل، وهل يحق لها إقفاله وتعطيل مرفقٍ عام؟