عندما تقدّمت دولة الاحتلال (إسرائيل) بطلب الانضمام إلى هيئة الأمم المتحدة، جاء في حيثيات القرار الذي وافق على طلب الانضمام الرقم 273، تاريخ 11 أيار 1949، «إن إسرائيل، وفقاً لتقدير مجلس الأمن، دولة محبة للسلام وقادرة على تحمل الالتزامات الواردة في الميثاق وراغبة في ذلك». وعليه تقرر اعتبارها عضواً في هيئة الأمم المتحدة آنذاك، واعترفت بها 163 دولة من أصل 193 عضواً فيها.هذا القرار لم يغير في طبيعة هذا الكيان شيئاً ولم يرفعه إلى مرتبة الدول من حيث الشرعية بالدرجة الأولى، بل منحه غطاء دولياً لتنفيذ سياساته الاحتلالية خلافاً لكل القوانين الدولية، ووضع العالم أجمع أمام مسؤولياته تجاه التزامات الدول الأعضاء في ما نصت عليه المواثيق الدولية.
تحكم هذا الكيان الصهيوني قوانين مختلفة مدنية وأخرى عسكرية جعلها مقدّمة على أي نص قانوني دولي آخر. هذا القانون العسكري يشرع للاحتلال حق ممارسة كل أنواع الانتهاكات بحق الفلسطينيين بمختلف نواحي الحياة، ووسط هذا الواقع، من الصعب جداً الحديث عن أي التزام باتفاقيات دولية أو قانون دولي أو أي قواعد إنسانية.
منذ عام 1948 وحتى يومنا هذا، صدر أكثر من 50 قراراً عن مجلس الأمن أُدينت بموجبها الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، ومعظمها اعتداءات ضد الفلسطينيين، ولكنّ أياً من هذه القرارات لم يأخذ طريقه إلى التنفيذ أو يضع حداً لتلك الانتهاكات والجرائم.
هذا الكيان لا تحكمه أو تتحكم فيه أي نصوص أو قواعد قانونية. فقد نشأ بموجب قرار لدولة انتداب (وعد بلفور) خلافاً لأي شرعية قانونية، وما زال إلى يومنا هذا خارج أي إطار دولي قانوني، وغير ملتزم بأي اتفاقية دولية، كما أنه ليس عضواً في المحكمة الجنائية الدولية. ورغم ذلك، تحسب له الدول الكبرى التي شاركت في تأسيس منظومة القوانين الدولية الإنسانية ألف حساب، وتسخّر كل إمكاناتها المالية والعسكرية والسياسية لتقويته ودعمه وتركه كقاعدة عسكرية خارجة عن القانون في قلب الشرق الأوسط، لتتحكم فيه وفي مقدراته.
هذا الكيان الصهيوني، بارتكابه جرائم مستمرة ضد الشعب الفلسطيني، إنما يضع القانون الدولي الإنساني على المحك، ويضع المؤسسات الدولية في دائرة الشك وانعدام الثقة فيها وفي قراراتها التي باتت مع هذا الكيان مجرد حبر على ورق وغياباً كلياً لآليات التنفيذ، فقط حين يتعلّق الأمر بـ«إسرائيل»، حتى بات الرأي العام العالمي يسأل أين هي المؤسسات الدولية الإنسانية، ولماذا هذا الصمت المريب حيال جريمة الإبادة الجماعية المرتكبة بحق شعب محاصر داخل قطاع غزة، وغالبية ضحاياه من الأطفال والنساء؟

محاكم عسكرية تتحكم بحياة الفلسطينيين اليومية
لا يوجد دستور مكتوب في ما يسمى «دولة إسرائيل»، بل قوانين سميت «قوانين أساس» في مختلف المواضيع، ولا يزال هذا الكيان يشرّع ويعدّل ويغيّر في صيغتها وفقاً لسياساته الاحتلالية التوسعية العسكرية.
أعطى نظام «دولة إسرائيل» للقضاء العسكري كل الصلاحيات لمحاكمة الفلسطينيين وأدرج معظم تفاصيل حياتهم اليومية ضمن صلاحيات محاكمه العسكرية. وهذا الكيان الذي لم يعترف يوماً بالقوانين الدولية إلا حمايةً لمصالحه، لا يعترف بما ورد في اتفاقية جنيف الرابعة، وتحفّظ عن عدد من موادها. ولكنه، في المقابل، اعترف بما ورد فيها لناحية حق الاحتلال في إنشاء محاكمه العسكرية والاعتقال الإداري.

الانتقام من الأسرى بواسطة القانون العسكري
منذ بداية عام 2023، عملت حكومة الاحتلال على سن عدد من القوانين التي استهدفت الأسرى لزيادة التنكيل بهم، وأصدرت عدداً من الأوامر العسكرية وتعديلاً لقانون السجون، فزادت من الإجراءات التعسفية التي تمارسها على الأسرى وجردتهم من أبسط الحقوق التي كانوا يتمتعون بها كالنوم على سرير مثلاً. وبعد السابع من أكتوبر، بدء «طوفان الأقصى»، ارتُكِبت جرائم موصوفة بحق الأسرى ومن سمّتهم «المعتقلين غير الشرعيين»، الوصف الذي أطلقه الاحتلال على كل المعتقلين الغزاويين ليبرر تطبيق القواعد الخاصة بمعاملتهم المخالفة لكل ما ورد في اتفاقية جنيف الرابعة.
القانون الدولي الإنساني أعطى للأسرى حماية خاصة باعتبارهم مقاتلين شرعيين وليسوا مجرمين، ولكي يبرّر الكيان الصهيوني عدم تطبيق هذه القوانين، سنّ قانوناً خاصاً سماه «قانون المقاتل غير الشرعي»، ويطبقه رغم مخالفته القانون الدولي. إذ يعتبر هذا الكيان أن قوانينه مقدمة على كل القوانين الدولية التي لا يعترف بها إلا وفقاً لمصالحه.
لم يتمكن الأسير الفلسطيني من ضمان حقه في المحاكمة العادلة يوماً، ولم تلتزم «إسرائيل» اتفاقية جنيف الرابعة


الانتهاكات القانونية التي يرتكبها الكيان الصهيوني ضد الأسرى ليست جديدة، وليس خافياً على المجتمع الدولي بكامل مؤسساته الحقوقية والإنسانية أن الجرائم التي تُرتكب بحق الأسرى الفلسطينيين هي جرائم موصوفة ضد الإنسانية وانتهاك فاضح لكل قواعد حقوق الإنسان الدولية. مارس الاحتلال مختلف أنواع التعذيب بحق الأسرى ومنع عنهم أي تواصل أو اتصال مع العالم الخارجي، وزيارات المحامين، وتفرّد في ممارسة كل انتهاكاته بعيداً عن أعين العالم أجمع للضغط على الفلسطينيين عموماً وأهالي الأسرى خصوصاً المتضامنين مع المقاومة، كما شن حملة اعتقالات واسعة لأسرى محررين ولشبان شاركوا في مسيرات تضامنية وفي مواجهات مع جنود الاحتلال داخل فلسطين المحتلة (الضفة والقدس). لم يتمكن الأسير الفلسطيني من ضمان حقه في المحاكمة العادلة يوماً، ولم تلتزم «إسرائيل» أياً من بنود اتفاقية جنيف الرابعة التي نصت على أن بنودها مقدمة على أي نص قانوني للاحتلال.
الأوامر العسكرية الإسرائيلية التي نصت على حق هذا الكيان في تعذيب الأسرى والتنكيل بهم وحرمانهم حتى من العلاج ليست فقط انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني، بل هي سقوط مدوٍّ لكل ما عملت عليه دول العالم منذ 100 عام لصيانة السلم والأمن الدوليين.



تعديلات تضاعف تعذيب الأسرى
أجرى الكيان أخيراً تعديلات على قانون المقاتل غير الشرعي بتاريخ 13 أكتوبر 2023 منها :
1. توسيع نطاق من يحق لهم إصدار أوامر الاعتقال ليشمل اللواء ومن أقل منه برتبة.
2. تمديد مدة الإصدار لأمر الاعتقال لـ 21 يوماً بدلاً من 7 أيام.
3. تصبح مدة المراجعة القضائية 30 يوماً من تاريخ الاعتقال بدلاً من 14 يوماً.
4. تكون زيارة المحامي أثناء 21 يوماً قبل موعد المراجعة القانونية بدل 7 أيام.
5. المنع من لقاء المحامي على يد المسؤول عن إصدار قرار الاعتقال يصبح 28 يوماً من تاريخ الاعتقال بدل 10 أيام.
6. يمكن للقضاة تمديد المنع من لقاء المحامي لمدة 45 يوماً بدلاً من 21 يوماً.