اعتباراً من 1/11/2022، وقصر بعبدا فارغ من رئيس للجمهورية، فيما يتم تسيير عمل السلطة الإجرائية بموجب المادة 62 من الدستور التي تنيط صلاحية رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء في حال خلوّ سدّة الرئاسة، والغريب أن غياب توقيع رئيس الجمهورية لم ينتقص من قيمة أي مرسوم صدر رغم أن الدستور منتقص.
إنتاجية مجلس النواب: 4 قوانين
على صعيد العمل التّشريعي، باستثناء القوانين التي أُقّرت في الجلسة التي انعقدت بتاريخ 14 كانون الأول 2023 والتي قد يتأخر نشرها أصولاً إلى بداية العام 2024، انحصر عمل المجلس النّيابي منذ بداية العام 2023، بأربعة قوانين أحدها يقضي بفتح اعتماد بقيمة 37.4 ألف مليار ليرة، وهو مبلغ يساوي 99.2% من موازنة العام 2022 التي تنفق على أساسها الحكومة للرواتب، أي الجزء الأول للموازنة، ما يشير إلى أن الموازنات شيء وما يُنفق فعليا أمر آخر، وما يُظهر الهوّة السّحيقة بين النفقات الفعلية والنّفقات المقدّرة في الموازنات.
فهذا الاعتماد الإضافي المطلوب كان لتغطية العجز في الرواتب والأجور وتغطية كلفة زيادة بدل النقل والتعويض المؤقت الذي منحته الحكومة للعاملين في القطاع العام  حتى نهاية 2023.
ولسبب غير مقبول وغير معقول القبول به، يمتنع عدد من القوى السياسية عن المشاركة في الجلسات النيابية بحجّة ان رأس الدولة غائب، وأنه لا يجوز التشريع في غيابه، وهي حجة غير قانونية وغير دستورية، وتبعاً لذلك يختلط عمل السلطة التشريعية بعمل السلطة التنفيذية بسبب شغور رئاسة الجمهورية واستمرار الحكومة بتصريف الاعمال، فنرى اللجان النيابية ورؤساءها يبادرون الى التدخل مع الوزراء المعنيين كل حسب اختصاصه وكأنهم هم السلطة التنفيذية. وإذ كان هذا الأمر يسجّل للنواب لا عليهم، الا ان تغييب الدور الرقابي للمجلس النيابي لعدم إمكانية محاسبة حكومة تصريف الأعمال ليس إلا انعكاسا لمزيد من تحلل الدولة واضمحلال الصلاحية الرقابية البرلمانية التي كانت محدودة أصلا بسبب غياب الديمقراطية الحقيقية في لبنان وحلول التوافق الطائفي محلها.
مجلس الوزراء: الحد الأدنى
يعقد مجلس الوزراء جلساته الشهرية ونصف الشهرية أحيانا لتسيير الحد الأدنى الممكن من القرارات. ولكن لم تكن تلك القرارات بمستوى الوضع المعيشي الصعب. فهل تناولت الحكومة، مثلاً، مسألة التعليم والعمل والقضاء والصحة و….؟
الصحّة: أمراض الدولة المزمنة
تغرق المستشفيات الحكومية في أزماتها، ويغزو شبح الموت المرضى على أبواب المستشفيات الخاصة والعامة لعدم وجود تغطية صحية، لا بل ان الاصعب الذي طرأ مؤخراً هو التوقف غير المعلن عن دعم الأدوية المخصصة للامراض المستعصية والسرطانية.
عام 2022، أطلقت الحكومة خطة جديدة لـ«ترشيد دعم الدواء»، أي «رفع الدعم» كلياً، باستثناء الأدوية السرطانية ودعم المواد الأولية لمصانع الأدوية. وفي ۲۰۲۳/۱۱/۱۰، أرسلت وزارة الصحة الى مجلس الوزراء خطة  «مراجعة» لدعم أدوية الأمراض السرطانية والمستعصية بالتوافق مع مصرف لبنان ونقابة مستوردي الأدوية، وأخذ مجلس الوزراء علما بها.
وبالطبع يعلم اللبنانيون أن عبارات كثل «مراجعة» و«بطاقة تمويلية» و«ترشيد الدعم» وغيرها… تعني أننا سنترككم لقدركم.
ولم ترغب الحكومة بمعرفة ان قانون الوكالة الوطنية للدواء (253/2022) صدر ويجب على الحكومة إصدار مراسيمه لتتولى الوكالة ملف الدواء. فحين يكون الدعم كاملاً لا يحتاج الأمر الى قانون، في حين أن ترشيد الدعم ومنع سرقته يحتاج الى قانون. ما نعيشه قمّة في تحلّل الدولة، الهروب من المسؤوليّات، وفاة القوانين.
اللجان النيابية ورؤساءها يبادرون الى التدخل مع الوزراء المعنيين كل حسب اختصاصه وكأنهم هم السلطة التنفيذية


مجلس الوزراء لن يترك الأمر من دون تدخّل، بحثنا عن الإجراءات المتّخذة لم نجد سوى أنه بادر الى فتح اعتماد بقيمة 10 مليارات ليرة لصيانة مبنى وزارة الصحّة وكان ذلك بتاريخ 29/11/2023 بقرار مجلس الوزراء رقم 14 .
ولكن الخطير هو غياب أي خطة لتغطية المواطنين صحيا بمن فيهم أولئك المشمولون بحماية المؤسسات الضامنة الرسمية وغير الرسمية، سواء تعاونية موظفي الدولة او الضمان الاجتماعي. فرغم كل التعديلات التي جرت على التعرفات إلا أنها لم تصل الى معدل مقبول. ولكن ما يعزّي المواطنين أنه حتى النوّاب لا تزال تغطيتهم الصحية متعثّرة والوزراء لا يتمتعون بتغطية صحية من الحكومة.
التعليم والعمل: اقل كلفة ممكنة
قبل أن تفتح المدارس الرسمية أبوابها لاستقبال الطلاب، كان وزير التربية يبحث مع الحكومة عن الحلول. لكن لم يكن إنصاف الأساتذة والمعلمين أحد الحلول المطروحة، بل بحثت الحكومة عن إجابة على السؤال التالي: ماذا أفعل لكي يأتي المعلمون الى المدارس بأقل كلفة ممكنة؟ بدلا من البحث عن: ما هي خطة التعليم للجميع؟ 
بحثت الحكومة عن إجابة على السؤال التالي : ماذا أفعل لكي يأتي المعلمون الى المدارس بأقل كلفة ممكنة ؟ بدلا من البحث عن : ما هي خطة التعليم للجميع ؟ 
من الضرورة بمكان درس مسألة التسرب المدرسي ومراقبة عمالة الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً، حيث يمكن لأي مراقب معاينة ارتفاع عدد العاملين بينهم بدلا من انصرافهم الى متابعة تحصيلهم العلمي، خصوصاً أن من أخطر انعكاسات الأزمة الاقتصادية، عدم كفاية دخل رب الأسرة ما يقضي بحرمان الأطفال من تحصيلهم العلمي ومشاركة الأطفال في العمل في سن مبكرة.
ولكن هل اعتنت الحكومة بالعدالة ؟ قد يقول قائل إنها تخصّص هذا القطاع بجزء مهم من انشغالاتها؟
القضاء: العدالة لا تعمل على الطاقة الشمسية
القضاء العدلي، القضاء الإداري، القضاء المذهبي، القضاء المالي، القضاء الدستوري، القضاء العسكري، البيئي، قضاء الأحداث… كله يئن تحت أوجاع العدالة المنقوصة.
يُفترضُ أن القضاة هم المكلفون باتخاذ القرار الأهم بشأن حياة المواطنين وحرياتهم وحقوقهم وواجباتهم وممتلكاتهم، ويمكننا القول أيضا إنه يحق للقضاة التمتع بحرية التعبير والاعتقاد وتكوين الجمعيات والتجمع، وأيضا يحق لهم بالحماية من احتمال التنكيل بهم اذا ما قرروا الانقلاب على كل هذا الظلم الذي نعاني منه معا، ولكن أنّى لهم ذلك، فحتى التعويذة السحرية التي أجرتها الحكومة لرواتبهم قد زال مفعولها وبان الفقر مجددا من بين أسوار قصر العدل، فهذه العطيّة لم يتم إدراجها في صلب رواتبهم ولم يتم تضمينها في مشروع موازنة العام 2024.
تفترض الحكومة أن العدالة تعمل على الطاقة الشمسية وتعتاش من نور الشمس.
ماذا عن المؤسسات الخدماتية؟
أرست الحكومة مبدأ يقول للإدارات والمؤسسات والمرافق العامة «من يجبي إيرادات من المواطنين بإمكانه ان ياخذ حصة منها» كما كان يفعل السلطان مع المقاطعجية!
وها هي الحكومة سمحت للجمارك بزيادة أجرة ساعاتهم الإضافية بنسبة تقارب مئة ضعف عما كانت عليه عام 2019، وبالمقابل تسمح لهم بزيادة رسوم الخدمات على الخدمات المرفئية التي سيدفعها المستوردون الذين بدورهم سيلقونها على عاتق المواطنين.
كما سمحت لموظفي الاتصالات في الشركات الخليوية بتقاضي رواتبهم بالدولار بعدما رفعت الرسوم واصبحت بالدولار وانما على منصة صيرفة، في حين انها اعتبرت ان المؤسسات العامة التي لا تنتج ستطبق عليها مبدأ التحلل الذاتي أي أن موظفيها سيتركونها هربا من فقرهم، والعديد من الشواهد والأمثلة تدل على هذا الأمر.
يتبادر الى الذهن السؤال التالي: هل نعتقد ان المعنيين يصبون اهتمامهم على صحة المواطنين لذلك يوفرون المال لتحقيق هذه الغاية؟
ماذا عن مسألة قيادة الجيش
في العاشر من كانون الثاني 2024 يحال قائد الجيش على التقاعد، ويدور الحديث عن خيارات عدة للتمديد، أكثرها قربا للقانون التمديد القانوني بموجب قانون أو حلول الضابط الأعلى رتبة محل القائد، ومن الحلول التي دأب لبنان على ابتداعها تأجيل التّسريح.
على صعيد التمديد، فإن لبنان عريق بإصدار قوانين التمديد منذ عام 1948 حين صدر قانون بتمديد المدة لاحالة موظفي الدولة الى التقاعد او صرفهم من الخدمة بتاريخ 31/03/1948. الى ان صدر عام 1995 قانون ينص على أنه خلافا لاحكام المادة 56 من المرسوم الاشتراعي الرقم 102 تاريخ 16/9/1983 وتعديلاته، لا سيما القانون الرقم 329 تاريخ 18/5/1994، بحيث يعدل ولمرة واحدة فقط سن التسريح الحكمي من الخدمة العائد لرتبة عماد بحيث يصبح 63 سنة بدلا من 60 سنة.

أرست الحكومة مبدأ يقول للإدارات والمؤسسات والمرافق العامة «من يجبي إيرادات من المواطنين بإمكانه ان ياخذ حصة منها»


ولمزيد من التطبيق الشخصي للقانون، بحيث يصيب القانون شخصا بعينه، نص القانون على أنه تطبق هذه الاحكام على الضباط في الخدمة الفعلية الذين يحملون رتبة عماد بتاريخ صدور هذا القانون أي في العام 1995. وكان ذلك بموجب القانون رقم 463 تاريخ : 08/12/1995 الذي عدل نص الفقرة المتعلقة برتبة عماد بموجب المادة الوحيدة من القانون رقم 329 تاريخ 18/5/1994 ونصّ على تعديل سن التسريح الحكمي من الخدمة العائد لرتبة عماد في الجيش واجازة تمديد تعيين الموظفين الفنيين في ملاك المديرية العامة لرئاسة الجمهورية.
حاليا يتأرجح الأمر بين خيارات ثلاثة: التمديد بقانون او تأجيل تسريح قائد الجيش او حلول الضابط الأعلى رتبة ... الأمر لا يستحق انشغال المواطنين، ففي جميع الأحوال سيكون للجيش قائد أصيل أو بالوكالة، وذلك لن يؤثر على استشفائهم ولا على طبابتهم.
قانون الدّفاع
ينص قانون الدّفاع الوطني في المواد 19 و20 و21 على دور كل من قائد الجيش ورئيس الأركان فقائد الجيش يعيّن من بين الضباط العامين، المجازين بالأركان الذين لم يسبق أن وضعوا في الاحتياط، بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الدفاع الوطني. يحمل قائد الجيش رتبة عماد ويسمى «العماد قائد الجيش» ويرتبط مباشرة بوزير الدفاع.
أما رئيس الأركان فإنه يعين من بين الضباط العامين المجازين في الأركان من الذين لم يسبق أن وضعوا في الاحتياط، وذلك بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الدفاع الوطني، بعد استطلاع رأي قائد الجيش. ينوب رئيس الأركان عن قائد الجيش في حال غيابه ويمارس مهماته وصلاحياته طوال فترة غيابه.
هل ينتقص من المؤسسة وجود قائد لها بالتكليف؟ قطعا لا فالانتقاص يعود لسلطة اتخاذ قرار عدم التعيين أما المؤسسات فلا يضيرها عدم الانتظام في تعيين رأسها اذا ما أصابها الشلل في الأطراف، فطالما المؤسسات تقوم بدورها فلا مشكلة، أما اذا كانت المؤسسات مشلولة فالمشكلة بنيوية.
ولكن من المؤكّد أن ما بقي للمواطن من أمل هو وجود سطوة القوى الأمنية التي تقبض على لص أو محتال أو قاتل أو تكتشف جريمة ما يشعرك بقليل من الاطمئنان .
ولكن هل قررت الحكومة الاهتمام بموظفيها في هذه السنة التي تنصرم؟

كيف تتوزع نفقات رواتب موظفي الحكومة؟
تتوزع نفقات رواتب موظفي الحكومة المدفوعة من الموازنة العامة، أي بدون موظفي المؤسسات العامة والبلديات، على القوى الأمنية والمعلمين وباقي الوزارات ،إضافة الى معاشات التقاعد التي تسدّدها للمتقاعدين. وتشكل رواتب العسكريين 21.4% من هذه النفقات في حين تشكل معاشات التقاعد ونهاية الخدمة 31.3% منها في حين أن باقي الوزارات تبلغ نفقاتها 22%.
لذلك ينبغي على الحكومة النظر في مدى حاجتها لموظفين في قطاعات أكثر من قطاعات أخرى وان تقرر تنظيم الرواتب على أساس الحاجة الفعلية للموارد البشرية الحكومة.
في ما يأتي جدول يبين نسبة توزع نفقات رواتب موظفي الحكومة المدفوعة من الموازنة العامة أي من دون موظفي المؤسسات العامة والبلديات:


موظفو الحكومة كالحكومة

حاليا تدفع الحكومة اللبنانية لموظفيها رواتب محدودة ولكنها تساوي 7 أضعاف الراتب الذي كان يتقاضاه الموظف قبل الأزمة النقدية، ويصل الدّخل الكامل الى معدّل يقارب 165 دولاراً بحد متوسط في حين أن القيمة الشرائية للدخل الأساسي تدنّت 57 ضعفاً.
ولم تقرر الحكومة ماذا الذي تريد أن تفعله برواتب وتقديمات موظفيها، بل تركتهم في العراء وتركت معهم خدمات ملايين المواطنين مرمية في العراء نفسه.
تتوزع نفقات رواتب القطاع العام على عدد من القطاعات، إلا أن الأهم من ذلك أن الحكومة لم تضمّن مشروع موازنة العام 2024 أي تصحيح للرواتب بل لجأت الى نقل قيمة المساعدات الى بند يسمّى احتياطي الموازنة، لعدم رغبتها في تصحيح أي وضع وظيفي لهؤلاء المواطنين.
ترغب الحكومة بدفع أجور يوميّة للموظفين ، في مشهد يذكرنا بوكيل الأنفار الذي كان يستأجر عمالا لحراثة مزرعة الإقطاعي، وهذا البدل اليومي لا يستحقّ للموظف الا مقابل حضوره فإن أصيب بعارض صحي لن يتقاضى منه شيئا.
فالحكومة تدرس منح موظفي القطاع العام حوافز يومية بالليرة تتراوح بين 1.6 مليون و2.4 مليون، أي يمعدل يفوق الـ 18 دولاراً يوميا، هذا المبلغ لن يكون قيد التطبيق قبل نهاية هذا العام.