قانون الصندوق السيادي اللبناني صدر وأصبح نافذاً. لكن، هل سيكون من فئة القوانين التي توضع على الرفوف أم متمتعاً بكل مفاعيل النّفاذ؟ هذا السؤال نطرحه بعد الاطّلاع على تفاصيل القانون التي تبيّن أنه جيد، لكنه يفتقد إلى من سيطبّقه، لأن الإجراءات التي ينص عليها تحتاج إلى دولة ومسؤولين من فئة رجال الدّولة الذين يحترمون القانون ويؤمنون به وبمبادئه. القانون الذي أقر بتأخير يصل إلى 13 عاماً، ينص على تكوين الصندوق من محفظتين (محفظة الادخار والاستثمار ومحفظة التنمية) يفترض أنهما تتضمنان أموالاً طائلة لا تحتمل التدخلات السياسية، لأن مستقبل الأجيال سيكون في خطر. هذا الصندوق لا يخضع لقواعد الإدارة وتسيير الأعمال والرقابة التي تخضع لها مؤسسات القطاع العام، فهل يأتي بعد سنوات من يطالب بتعزيز الرقابة عليه وتعديل قانونه كما حصل مع مصرف لبنان؟ من جهة أخرى، وقبل بدء تطبيق القانون، من هي الجهة التي ستتولى تقاضي رسوم الاستطلاع في المياه البحرية بعد أن قرر القانون أنها من واردات الصندوق؟ أم ستقوم وزارة الطاقة بالمهمة أسوة بالهيئة الناظمة للكهرباء؟ فالقانون نص على أن هناك فترة انتقالية تلي تأسيسه، إذ توضع في الصندوق عند تأسيسه جميع واردات الدولة من الأنشطة البترولية فور تحصيلها، وهذا يشمل مرحلة ما قبل الإنتاج، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر واردات الدولة من المسوحات الجيولوجية والجيوفيزيائية. من جهة ثالثة، فإنه من الجيد في متن القانون أن الصندوق سيستثمر في الأصول المالية المحددة في تفويض الاستثمار نيابة عن الدولة بموجب قانون وليس بقرار من مجلس الإدارة ولا مجلس الوزراء . المشكلة في القوانين السيادية ليست في نصوص القوانين، بل في كيفية تطبيقها، والالتزام بها في إدارة الصناديق السيادية، واعتماد الشفافية تطبيقاً وليس في النصوص فقط، إذ يقتضي أن ينعكس ذلك بصورة واضحة في مراعاة تطبيق القواعد المالية للإيداع والسحب من الصندوق والأولويات والخيارات التوظيفية

أقر مجلس النواب اللبناني في جلسته المنعقدة في 14 و15/12/2023 قانون الصندوق السيادي اللبناني، وصدر بالرقم 320 تاريخ 22/12/2023، ونُشر في الجريدة الرسمية في العدد 53 تاريخ 28/12/2023. مبدأ اعتماد صندوق سيادي مختص بالعائدات النفطية ليس جديداً على القانون اللبناني، فالصندوق السيادي للنفط منصوص على مبادئه العامة في قانون الموارد البترولية في المياه البحرية، لكنه كان يحتاج إلى قانون تأخّر صدوره 13 عاماً.
الكلام عن صندوق سيادي للنفط ليس اختراعاً جديداً على الساحة القانونية اللبنانية، فهو وارد بالاسم في القانون الرقم 132 تاريخ 24/8/2010 (الموارد البترولية في المياه البحرية)، وينص على أن «تودع العائدات المحصّلة من الدولة الناتجة من الأنشطة البترولية أو الحقوق البترولية في صندوق سيادي»، كما ينص في المادة 3 على «مبادئ إدارة البترول، على أن يحدد نظام الصندوق ونظام إدارته الخاصة، ووجهة استثمار وتوظيف واستعمال العائدات بموجب قانون خاص بالاستناد إلى مبادئ وأسس واضحة وشفافة للتوظيف والاستعمال، تحتفظ عبرها الدولة برأس المال وبجزء من عائداته بمثابة صندوق استثماري للأجيال المقبلة، وتصرف الجزء الآخر وفقاً لمعايير تضمن حقوق الدولة من جهة، بما يجنّب الاقتصاد أية انعكاسات سلبية محتملة على المدى القصير والطويل».
كما تناول القانون الرقم 84 الصادر في 10 تشرين الأول 2018 (دعم الشفافية في قطاع البترول) الصندوق السيادي قبل صدوره، فنص على أنه يتوجب على مجلس الوزراء ووزارة المالية والجهة المناط بها إدارة الصندوق السيادي الإفصاح عن عائدات الأنشطة البترولية التي تُسجّل في الصندوق السيادي والعائدات المسحوبة منه، في الحالات المسموح بها وفقاً لقانون الصندوق، والمبالغ المخصصة للاستثمار المسحوبة من الصندوق مع تحديد وجهة الاستثمار.

ما هي أهمية وجود قانون يرعى الصندوق السّيادي؟
ينظم القانون إدارة الصندوق السيادي اللبناني واللجان والمديريات والأقسام التابعة له وقواعده المالية المتعلقة بإيداع الأموال وسحبها وطريقة ووجهة استثمار وارداته، استناداً إلى مبادئ وأسس واضحة وشفافة للتوظيف والاستثمار والاستعمال.
ويتمتع الصندوق بالشخصية المعنوية وبالاستقلالين الإداري والمالي. ويعتبر شخصاً من أشخاص القانون العام له طبيعة خاصة، إذ يخضع لأحكام هذا القانون وللنصوص التنظيمية الخاصة به التي تصدر وفقاً للأصول.

ما هو دور الصّندوق ومن يديره؟
يدير الصندوق السيادي اللبناني مجلس إدارة يرأسه رئيس مجلس الإدارة، وهو الرئيس التنفيذي للصندوق الذي يعينه مجلس الوزراء ويتخذ صفة مدير عام الصندوق أيضاً، ويعاونه الفريق الإداري المؤلف من رئيس مجلس الإدارة/ مدير عام الصندوق ورؤساء المديريات والأقسام.
يتولى الصندوق إدارة الأموال المحصّلة من قبل الدولة من واردات الأنشطة البترولية التي تعود ملكيتها إلى الدولة اللبنانية، ولا يخضع لقواعد الإدارة وتسيير الأعمال والإدارة والرقابة التي تخضع لها مؤسسات القطاع العام، ولا سيما النظام العام للمؤسسات العامة أو رقابة مجلس الخدمة المدنية والتفتيش المركزي إلا في حدود ضيّقة.
ويتولى إدارة الصندوق مجلس إدارة مؤلف من ثمانية أعضاء لبنانيين من ذوي الخبرة، يتم تعيينهم، لمدة خمس سنوات، قابلة للتجديد مرة واحدة، بموجب مرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح مجلس الخدمة المدنية بعد استشارة مؤسسة توظيف دولية خاصة، ويُحال حكماً إلى مجلس الوزراء عبر رئيس مجلس الوزراء وزير المالية - وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية، على أن يسمى في مرسوم التعيين رئيس مجلس الإدارة ونائبه من بين الأعضاء المعينين، ويشغل رئيس المجلس صفة مدير عام الصندوق أيضاً.
ويشترط القانون أن يكون أعضاء مجلس الإدارة ورئيس المجلس لبنانيين منذ أكثر من عشر سنوات، وأن يكونوا قد تجاوزوا الخامسة والثلاثين ومن أصحاب الاختصاصات المرتبطة بعمل الصندوق المالية والاقتصادية والقانونية وخبرات كبيرة.
لكن اللافت أن القانون اشترط في العضو أن يمتلك خبرة عالمية تشغيلية في بنية تحتية أو أصول عقارية أو أسهم خاصة ذات رأس مال يفوق مليار دولار أميركي لا تقل عن عشر سنوات.

ما هي واردات الصندوق؟
تتألف واردات الصندوق السيادي من جميع واردات الدولة من الأنشطة البترولية كما هي معرّفة بموجب القانون الرقم 132/2010 إضافة إلى:
1. عائدات الاستثمار على الأصول البترولية.
2. عائدات الإتاوة المحصّلة من قبل الدولة على البترول المنتج.
3. العائدات الضريبية المحصّلة من قبل الدولة وفقاً لقانون الأحكام الضريبية المتعلقة بالأنشطة - عائدات حصة الدولة من بترول الربح.
4. المبالغ التي تحصّلها الدولة بنتيجة التنازل عن نسب مشاركتها كصاحب حق في اتفاقيات الاستكشاف والإنتاج إلى شركات بترولية مؤهّلة.
5. رسوم المنطقة المحصّلة من قبل الدولة من أصحاب الحقوق البترولية.
6. رسوم تراخيص الاستطلاع.
7. عائدات حصة الدولة من بيع أو تحويل أو ترخيص حقوق الاطلاع على البيانات الناجمة عن تنفيذ رخص الاستطلاع والعائدات الناجمة عن العقود المتعدّدة الزبائن المبرمة من الدولة اللبنانية المحصّلة قبل أو بعد نفاذ هذا القانون.
8. العائدات المحصّلة من المعاملات المالية المرتبطة بالأنشطة البترولية.
9. عائدات الاستثمار على الأصول البترولية.
10. أي عائدات أخرى ناتجة أو يمكن أن تنتج من أي نشاط بترولي متعلّق بالموارد البترولية أينما وجدت سواء على الأراضي اللبنانية أو في المياه البحرية اللبنانية.

ممَّ يتكون الصندوق وكيف يقوم بمهماته؟
يتكون الصندوق من محفظتين: محفظة الادخار والاستثمار ومحفظة التنمية، تختلف في ما بينهما قواعد السحب وقواعد الاستثمار تبعاً للغاية منها.
فمحفظة الادخار والاستثمار ترمي إلى زيادة واردات الصندوق من الأنشطة البترولية عبر القيام باستثمارات مالية طويلة المدى ذات مخاطر معتدلة مع الحفاظ على تنمية رأس مال الصندوق لمصلحة الأجيال القادمة.
أما محفظة التنمية فترمي إلى الاستفادة من عائدات الدولة الضريبية من الأنشطة البترولية للتنمية ليصبح مساراً مستداماً عبر استثمارات مالية ذات سيولة مرتفعة وذات مخاطر معتدلة تؤدي إلى خفض مستوى الدين.

كيف يقوم الصندوق بالاستثمارات؟
يستثمر مجلس إدارة الصندوق في الأصول المالية المحددة في تفويض الاستثمار نيابة عن الدولة، وتكون هذه الاستثمارات باسم «الصندوق السيادي اللبناني، وهي القواعد العامة للاستثمار، إذ يحدّد تفويض الاستثمار المبادئ والتوجيهات لاستثمارات الصندوق، ويتضمن قواعد إدارة الأموال وفقاً لمعايير معينة لمخاطر الاستثمار وتوزيع الأصول المالية على الفئات الاستثمارية. تحدّد تفاصيل ما يتضمّنه تفويض الاستثمار بمشروع قانون يُعدّه مجلس الإدارة ويرفعه إلى مجلس الوزراء الذي يحيله إلى مجلس النواب لإقراره وفقاً للأصول.
يقوم مجلس الإدارة بتنفيذ تفويض الاستثمار. ويحق له اقتراح تعديل التفويض إذا تبين له أثناء التنفيذ ضرورة ذلك تماشياً مع التطورات المالية والاقتصادية التي يمكن أن تطرأ على أن يعرض التفويض المعدل على مجلس الوزراء ومجلس النواب مجدداً للموافقة.

يحق لديوان المحاسبة إضافة إلى سلطة الرقابة على الصندوق تعيين مدقق خارجي مستقل معترف به دولياً



من يتولى التدقيق في أعمال الصندوق ومراقبة حساباته؟
يعين مجلس الوزراء مدققاً خارجياً مستقلاً معترفاً به دولياً لمراقبة حسابات الصندوق. يرفع المدقّق تقريره السنوي إلى مجلس الإدارة الذي يرفعه بدوره مرفقاً بتقريره السنوي الداخلي إلى مجلس الوزراء ومنه إلى مجلس النواب لإقراره وفقاً للأصول، على أن ينشر بعدها على الموقع الإلكتروني للصندوق.
كما يحق لديوان المحاسبة، إضافة إلى ممارسة سلطة الرقابة المؤخرة على الصندوق، تعيين مدقق خارجي مستقل معترف به دولياً يقدم تقريراً بذلك إلى مجلس النواب. ويحدد مضمون التقارير السنوية كما وتواريخ نشرها بموجب مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء.

ما هي قواعد الإيداع في المحفظتين الماليتين؟
تودّع العائدات المالية في محفظتين: محفظة الادخار والاستثمار ومحفظة التنمية للصندوق السيادي وفقاً لقواعد الإيداع الآتية:
1 - محفظة الادخار والاستثمار
تودع في محفظة الادخار والاستثمار جميع واردات الدولة من الأنشطة البترولية باستثناء العائدات الضريبية، على أن يُسحب جزء من عائداتها وفقاً لقواعد السحب المحددة في القانون ويُفتح لها حساب خاص في مصرف لبنان.
2 - محفظة التنمية
تودع في محفظة التنمية العائدات الضريبية من الأنشطة البترولية بهدف حفظها واستثمارها، على أن يُسحب جزء منها لغايات إنمائية وفقاً لقواعد السحب المحددة في القانون، ويُفتح لها أيضاً حساب خاص في مصرف لبنان.

ما هي قواعد السحب من محفظتَي الصندوق؟
تخضع عمليات السحب من محفظتي الصندوق للشروط الآتية:
1 - من محفظة الادخار والاستثمار: لا يجوز سحب أي مبلغ إلا من أجل استثماره وفقاً للشروط المحددة في تفويض الاستثمار، وتبقى أموال المحفظة مجمدة بهدف تكوين رأس مال احتياطي، أما إذا تجاوزت عائدات الاستثمار قيمة الدين العام بالعملة الأجنبية فيُحوّل الفائض حكماً إلى محفظة التنمية.
وقد حدد القانون أنه يجب ألا تقل نسبة الاستثمار خارج لبنان عن 60% من مجموع أصولها، وأنه يجب ألا تقل نسبة الاستثمار داخل لبنان من محفظة الادخار والاستثمار عن 25% من مجموع أصولها وعائداتها.
2 - من محفظة التنمية: لا يجوز السحب من عائدات محفظة التنمية خلال سنة مالية معينة إلا في حال إقرار موازنة الدولة حسب الأصول، إذ تُلحظ فيها المبالغ المقرر سحبها وإنفاقها بشرط أن لا تتجاوز قيمة هذه المبالغ ثلث إجمالي أصول المحفظة.
إلا أنه لا يجوز إجراء أي سحب من محفظة التنمية في السنوات الثلاث الأولى من تاريخ أول إيداع للعائدات - فيها، وتجمّد هذه العائدات بهدف تكوين رأس مال احتياطي.
ويحظّر استعمال أموال الصندوق لتسديد ديون الدولة، إلا إذا أظهر قطع حساب الموازنة فائضاً أولياً في وارداتها على نفقاتها فيمكن استخدام عائدات محفظة التنمية لهذا الغرض.