أطفال خلف القضبان، يعيشون في بيئات خطيرة أوضاعاً لا إنسانية، ويدفعون ثمن إهمال الدولة والمجتمع عقاباً بسبب ظروف فُرضت عليهم وسلختهم من عالمهم الطفولي إلى عالم لا يشبههم، فغرقوا في قعر مظلم، من دون أن يجدوا من ينقذهم وينتشلهم إلى الضوء. محرومون من التعليم والأنشطة المفيدة والاتصال بالعالم الخارجي، يُحتجزون من دون محاكمات في غرف صغيرة مظلمة لا تراعي الكرامة الإنسانية، وفي ظروف مُهينة تنتهك القانون الدولي والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، ولا سيما اتفاقية حقوق الطفل التي تشترط أن يكون حبس الأطفال جراء اتهامات بالجنوح أو اتهامات جنائية الملاذ الأخير وليس الخيار الأول أو الوحيد كما هو الواقع في لبنانتولي القوانين المتعلّقة بالأحداث أهمية لمصلحة الحدث الفضلى، وتحدد هذه المصلحة تبعاً لمعطيات كل حالة، بعد تقييم الآثار السلبية والإيجابية على المدى القريب والبعيد لأي إجراء أو تدبير يتناول الحدث، مع مراعاة المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان بشكل عام وحقوق الطفل بشكل خاص، ولا سيما تلك الحقوق المرتبطة بشكل مباشر بإجراءات التحقيق والحكم وظروف الاحتجاز التي نص عليها قانون حماية الأحداث بشكل واضح. رغم ذلك، فإن من يتابع شؤون الأحداث في مراكز الاحتجاز المتنوعة يلاحظ بشكل واضح الانتهاكات المرتكبة بحقهم بكل أشكالها.
تتدرج العقوبات المفروضة على الأحداث الجانحين من الأخف إلى الأشد، وتتنوع بين التدابير غير المانعة للحرية، وتلك المانعة للحرية التي تتدرج بدورها من الإصلاح إلى التأديب، وصولاً إلى العقوبات المخففة بوضع الحدث في معهد التأديب أو في سجن خاص بالأحداث.
في طريقهم إلى سجن الأحداث، يفترض أن يمرّ هؤلاء سريعاً على نظارات توقيف مؤقت قبل صدور مذكرات التوقيف. إلا أن مسارهم «السريع» يستغرق غالباً أشهراً في نظارات غير مؤهلة، وفي بيئة غير سليمة. إذ لا تختلف النظارات المخصّصة للأحداث في مراكز الاحتجاز المؤقت عن غيرها من النظارات المخصصة للبالغين: الوضع المأساوي المهين نفسه، اكتظاظ خانق، لا طعام ولا شمس ولا تهوئة ولا اتصال بالعالم الخارجي، وظروف صحية ونفسية غير مناسبة للأطفال. ناهيك عن عدم تقديم المساعدة والتأهيل اللازمين مهما طالت مدة الاحتجاز المؤقت، ما يعرّض الأطفال لخطر التأثر والانحراف لغياب الإشراف من قبل مختصين، كون عناصر الأمن في النظارات غير مؤهلين للتعاطي مع هذه الفئات العمرية، فينهي الحدث مدة اعتقاله المؤقتة ويُرحل إلى معهد الإصلاح وفي جعبته الكثير من التشوّهات الأخلاقية والسلوكية.
تروي هدى، والدة القاصر فادي، عما عاناه طفلها أثناء احتجازه في إحدى النظارات بعد اعتداء «زملائه» عليه. في غرفة صغيرة لا تتسع لثلاثة أشخاص، احتجز ستة أطفال تُراوح أعمارهم بين 14 و16 عاماً، «تناوبوا على إفراغ غضبهم وسخطهم من العالم الخارجي بمن وجدوه الأضعف بينهم، من دون أي تدخل من العناصر المشرفين الذين اكتفوا بالصراخ لإبعادهم عنه».
في مركز آخر، لم يتحمل سامي تحرش حدث آخر به جنسياً وإجباره على ممارسة الرذيلة تحت التهديد، فأقدم على إيذاء نفسه مستخدماً جزءاً من «بورسلان» الحمام. رغم ذلك، لم يحرّك أحد ساكناً، ولم يتخذ أي إجراء سوى معالجته بما تيسّر من مطهرات موجودة في المخفر.

احتجاز الأحداث في نظارات خاصة بالبالغين
تنص المادة الثانية من قانون حماية الأحداث على أن الحدث الذي يخالف القانون يستفيد من معاملة منصفة وإنسانية، وتخضع إجراءات ملاحقته والتحقيق معه ومحاكمته لبعض الأصول الخاصة، فتحاول ما أمكن تجنيبه الإجراءات القضائية، باعتماد التسويات والحلول الحبية والتدابير غير المانعة للحرية... ولا يُحجز الأحداث مع الراشدين. كما تنص المادة 35 من القانون على أن لقاضي التحقيق عند الشروع بالتحقيق مع الحدث، توقيف الحدث الذي أتم الثانية عشرة في الأماكن المحددة لتوقيف الأحداث. وهذا الحق نفسه تؤكد عليه المادة 37 من اتفاقية حقوق الطفل والقاعدة 13 من قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لإدارة شؤون الأحداث.
في الكثير من المراكز، يُحتجز الأحداث في النظارات نفسها المخصصة للبالغين بحجة الاكتظاظ وعدم وجود نظارات كافية مخصصة للأحداث. وأخيراً، أصبح الوضع الأمني في الجنوب شماعة جديدة. إذ يتم التحجج بالنظارات المخصصة للأحداث التي أُغلقت لضرورات أمنية. أضف إلى ذلك عدم وجود نظارات مخصصة للقاصرات، ما يؤدي إلى احتجازهن مع النساء لحين صدور مذكرة توقيف بحقهن وتحويلهن إلى سجن القاصرات أو مؤسسات أخرى.
وبحجة انعدام الإمكانات، لا يتم التثبت من هوية المحتجزين. ففي حال عدم وجود أوراق ثبوتية مع المحتجز أو عدم إمكانية تأمينها، يتم الأخذ بالهوية المدلى بها من قبله. لذلك يمكن مصادفة عدد من الأشخاص لا تظهر عليهم علامات البلوغ محتجزين في النظارات نفسها مع أشخاص بالغين، ويمكن توقيف شخص ومحاكمته على أساس هوية أدلى بها. علماً أن المادة الأولى من قانون حماية الأحداث تنص بشكل واضح ومفصل على آلية التثبت من الهوية وعمر الحدث الذي يبنى الحكم على أساسه نهائياً بالنسبة إلى تنفيذ التدابير أوالعقوبات المفروضة في الحكم.
و لا يخفى على أحد الأثر الخطير لدمج القاصرين مع البالغين في أماكن الاحتجاز نفسها، وما يمكن لهؤلاء اكتسابه من مهارات سلبية في علم الجريمة وتأثير ذلك على نفسيتهم وأخلاقهم وإمكانية تعرضهم لشتى أنواع الاعتداءات.
وعلى خلاف ما تنص عليه الاتفاقيات الدولية والقوانين التي تعنى بالأحداث من ضرورة اعتبار الاحتجاز ملاذاً أخيراً ولمدة زمنية قصيرة، تتجاوز مدة توقيف الأحداث المدة المحددة قانوناً. وهناك عدد لا بأس به من المحتجزين الأحداث تجاوزوا مدة الـ 48 ساعة المحددة في قانون أصول المحاكمات الجزائية لاحتجازهم قيد التحقيق.

غياب مندوبي الأحداث عن التحقيقات
أكدت المادة 34 من قانون حماية الأحداث على ضرورة الاتصال فوراً بالمندوب الاجتماعي المعتمد، ودعوته إلى حضور التحقيق خلال ست ساعات، وعدم جواز بدء التحقيق ما لم يكن المندوب حاضراً تحت طائلة الملاحقة المسلكية. وفي حال تعذر الحضور لأي سبب، على النيابة العامة أو مصلحة الأحداث في وزارة العدل أن تعيّن مندوباً اجتماعياً من إحدى الجمعيات المصنفة في هذه المصلحة ليحضر مع الحدث أثناء التحقيق. ولا يكتفى فقط بحضور المندوب الاجتماعي، بل يكون على هذا الأخير أن يباشر بحثاً اجتماعياً ويقدّم نتائجه إلى من يقوم بالتحقيق مع الحدث.
كذلك أشارت المادة إلى ضرورة إعلام الأهل أو المسؤول عن الحدث إذا كان الأمر متيسراً، وبذلك تكون قد جعلت حضور مندوب الأحداث إلزامياً، على خلاف حضور الأهل الذي يمكن تخطيه لأسباب محددة. لكن الواقع يناقض النص. ففي أغلب الحالات يتم الاكتفاء من قبل بعض القضاة بوجود الأهل من دون حضور مندوب الأحداث، ما يشكل مخالفة قانونية صارخة.
يُحجز الأحداث مع البالغين بحجة الاكتظاظ وعدم وجود نظارات كافية مخصّصة للأحداث


كما تتم الموافقة على حضور المندوب الاجتماعي للتحقيق الأولي عن بعد، أو من مكتب القاضي في التحقيقات التي تتم عن بعد وليس من مركز الاحتجاز. وهذا الأمر يخالف الهدف الجوهري والغاية من وجود مندوب الأحداث، والمتمثلة بتأمين دعم نفسي وحمائي له أثناء التحقيق معه ومراقبة إجراءات التحقيق وحماية الطفل من التعرض لأي ضغط نفسي أو عنف أو انتهاك لحقه في المحاكمة العادلة، إضافة إلى توعية القاصر على حقوقه.

موقوف خلسة
لم تسلم مراكز الاحتجاز من تأثير النزوح السوري غير المنظم. فجزء من الاكتظاظ في النظارات والسجون مرتبط بهذه المعضلة، ونادراً ما تخلو نظارة من حدث أنهى مدة حكمه وينتظر تسلّمه من قبل الأمن العام لاحتجازه بجرم الدخول خلسة. وكأن هؤلاء الأطفال لا يكفيهم حمل أوزار حرب لا ذنب لهم فيها، والدخول خلسة كان بإرادتهم لتتم معاقبتهم على «جرائم» لا قرار ولا سلطة لهم باتخاذها.
ما سبق هو جزء ضئيل من الانتهاكات التي تُرتكب بحق الأحداث في مشوارهم وصولاً إلى السجن الإصلاحي الذي يفتقد بدوره إلى مقومات التأهيل، وإعادة بناء الشخصية، وإعداد الحدث لمواجهة المجتمع عند الانتهاء من مدة إصلاحه. لذلك، لا بد من اختيار بدائل للاحتجاز تتمثل بإشراك الأحداث في المجتمع خلال فترة الإصلاح عبر الخدمة المجتمعية والذهاب إلى المدرسة تحت مراقبة مشروطة، وصولاً إلى إمكانية زيارة المنزل واحتجازهم في أماكن شبه مفتوحة.
ولا بد للدولة من تحمل مسؤولياتها تجاه الأطفال بتأمين الخدمات الرئيسية كالتعليم المجاني أو شبه المجاني، وتأمين الرعاية الصحية والمساعدة الاجتماعية عبر إشراك المجتمع المدني، وحسن استثمار الموارد والمساعدات الدولية لحماية الأطفال من خطر الجنوح.