في هذا المجال، يقتضي التوضيح أن ارتكاب المجرم جريمتين منفصلتين بحيث يختلف اجتماع الجرائم عن التكرار الجرمي، يقتضي وضع حدود واضحة بين التكرار وإدغام العقوبات بحيث لا يستفيد المجرم من حالة عدم صدور حكم بالإدانة بحقه فينجو من عقوبتين عبر الإدغام للحد من اعتياد الإجرام.
ويعني تنفيذ العقوبة الأشد أن هذه الأخيرة تمتص العقوبة الأخف، بشكل يجعل تنفيذها صورياً من دون أن يمحو الأحكام الصادرة بشأنها. إذ يقتصر تأثيرها على قوة التنفيذ، فتعدّ العقوبات الأقل شدةً وكأنها قد نفذت.
عندي رصيد...
ربّ ضارة نافعة أمام تجميد أرصدة اللبنانيين وخسارتهم جزءاً كبيراً منها نتيجة الأزمات المتتالية وتقاعس القضاء. فوحدها أرصدة المحتجزين في السجون والنظارات تتغذى. وأصبحت عبارة «عندي رصيد» من العبارات التي تتكرر على ألسنة المعتادين على ارتكاب الجرائم بفخر وكأنها إنجاز، فلا تجد في وجوههم أي انزعاج من بطء الإجراءات القانونية أو تأخر البت في ملفاتهم وإصدار الأحكام، لأنهم يجمعون أياماً تضاف الى رصيدهم في حال ارتكابهم جرائم أخرى.
يقول سامي ممازحاً، وهو محتجز في إحدى النظارات بشبهة سرقة يدّعي أنه لم يرتكبها: «ما بقى فارقة معي. بكرا بطلع بإخلاء سبيل. وهيك بكون جمّعت رصيد فيني إعمل جريمة تانية». فالقانون اللبناني يسمح بالتقدم بطلب إدغام ملحق للعقوبات التي لم يشملها حكم الإدغام، شرط أن تكون الأفعال المعاقب عليها قد ارتُكبت قبل تاريخ صدور الحكم الأخير، وهذا ما يستغلّه البعض لارتكاب أفعال جرمية في الفترة الممتدة بين إخلاء السبيل وصدور الحكم النهائي بحق، فيأخذ القاضي في هذه الحالة في الاعتبار ظروف الشخص ومدى تكراره للجرم أو وجود أحكام سابقة بحقه في الجرم نفسه.
تجدر الإشارة الى أن بعض العقوبات لا تدغم. فالمادة 207 من قانون العقوبات أكدت على حتمية جمع العقوبات التكديرية، ونصّت المادة 208 على جمع العقوبات الإضافية والتدابير الاحترازية، وإن أدغمت العقوبات الأصلية ما لم يقضِ القاضي بخلاف ذلك، وأكدت أنه في حال جمع العقوبات الأصلية، تجمع حكماً العقوبات الفرعية التابعة لها. فالمخالفات التي يصدر فيها حكم بالغرامة لا يمكن إدغامها، لا وحدها ولا مع أحكام جنح أو جنايات، وكذلك الأحكام الصادرة بالحبس الإكراهي أو الحبس لقاء حكم النفقة، لتعلّقها بالحق الشخصي.
يؤكد أحد المسؤولين السابقين في إحدى النظارات أنه رغم أهمية تطبيق الإدغام في بعض الحالات وتخفيفه بصورة غير مباشرة من الاكتظاظ، إلا أن هذا الإجراء، في غياب الرقابة والظروف التي يعيشها لبنان، يساعد على زيادة الجريمة ويجعل من المحتجزين أهدافاً دسمة للمجرمين الكبار والعصابات وتجار المخدرات، إذ يعمدون الى اصطيادهم وإقناعهم بالعمل معهم بحجة أنهم يملكون أرصدة سابقة، وفي حال توقيفهم لن يعاقبوا لمدة طويلة.
قد يساهم الإدغام بزيادة الجريمة في غياب الرقابة والظروف التي يمرّ بها لبنان
ولا يخفى على أحد أن لهذه العصابات مندوبين في كل المراكز السالبة للحرية، وهم من أصحاب الخبرة في عالم الجريمة والمتمرّسين فيها، ودورهم معروف في اختيار من تنطبق عليهم المواصفات، ومساعدتهم في بعض الأحيان للحصول على إخلاء سبيل للاستثمار فيهم بعد ذلك. وهنا تنتفي الصفة الإصلاحية والهدف من عقوبة السجن، ويصبح تطبيق مبدأ الإدغام من أبرز الأسباب التي تؤدي الى تزايد جرائم معينة، ولا سيما جرائم المخدرات والخطف والسرقة والنشل. وهنا نرى أيّ شخص قد صدر بحقه حكم غيابي بجرم الاتجار أو السرقة أو التزوير، لا يردعه ذلك عن ارتكاب جرم آخر، بل يكون محفزاً لتكثيف عمله الجرمي والاستفادة من سنوات سجن قليلة.
العسكرية تجمع العقوبات
تعتمد المحكمة العسكرية في أحكامها على جمع العقوبات لا على إدغامها. لذلك نجد أن أغلب الموقوفين الذين تتعدّد ملفاتهم الجرمية وتتوزع على عدة محاكم، منها العسكرية، يحاولون الحصول على حكم مبكر من المحكمة العسكرية خوفاً من الجمع، أو التحايل في استحداث أيّ دعوى بحقهم في أيّ محكمة جزائية، لأن المحكمة المسؤولة عن الدغم في حال تعدّد الملفات هي المحكمة التي تصدر آخر حكم بحق المتهم.
أمام هذ الواقع، لا بد من إعادة النظر في طريقة تطبيق المادة 205 من قانون العقوبات اللبناني، والحدّ من التوسع في تطبيقها. فحل مشكلة السجون لا يكون من خلال التوسع في منح الإدغام وسجن أخطر المجرمين سنوات قليلة، بل من خلال سياسة عقابية إصلاحية متكاملة تؤهّل المرتكب وتحميه وتحدّ من تأثيره على المجتمع، وتحدّد أطر السلطة الاستنسابية التي يتمتع بها القاضي بالنسبة إلى قرار إدغام العقوبات من خلال معايير واضحة.