في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد، من الطبيعي أن يتوقع خبراء علم الاجتماع ارتفاع نسبة الجريمة، لا سيّما تلك المتعلقة بالسرقة والجرائم المالية، ما يقتضي تنبّه الحكومة الى ضرورة تدعيم قوى الأمن الداخلي بالعديد والعتاد، لا أن تبقى الأولوية فقط للقطاعات التي تجلب عائدات فحسب. فالقوى الأمنية، على اختلافها، من أسس تثبيت الاستقرار، سيما أن أكثر من 6000 عنصر تركوا الجهاز الأمني في غضون 6 سنوات. ومن المؤكد أن تطويع مزيد من العناصر في ظل رواتب متآكلة يعني حكماً عدم الرغبة بتصحيح الوضع القائم، ما يستدعي أولاً تصحيحاً جدياً للرواتب والأجور والملحقات.
(هيثم الموسوي)

تتولى قوى الامن الداخلي حفظ النظام وتوطيد الأمن وحماية الممتلكات والأشخاص وغيرها، وأهمها أنها تقوم بمهام الضابطة العدلية التي تتولّى التحقيقات في الجرائم الحاصلة إضافة مؤازرة السلطات العامة. (نظراً إلى أهمية دور قوى الأمن الداخلي، نشرت «القوس» سابقاً مقالاً بعنوان: «الشرطة في لبنان سبقت قيام الجمهورية»)
لكن هذه المهام لا تلقى تقدير الحكومات المتعاقبة التي لم تعر القوى الأمنية الاهتمام اللازم، خصوصاً في ظل الأزمات الاقتصادية التي يعيشها اللبنانيّون، ما دفع عدداً كبيراً من العسكريين الى الاستقالة أو طلب التسريح أو حتى الفرار من الخدمة. ووصل عدد الفارين بين 17/10/2019 و15/12/2023 الى 1107 عنصر في قوى الأمن الداخلي، وفقا لتقرير رفعته وزارة الداخلية الى مجلس الوزراء، فيما وصل عدد من تركوا الخدمة لأسباب قانونية منذ عام 2017 إلى 5338 عنصراً.

8.4 بالمئة: عطاءات هزيلة
بحسب قانون الموازنة العامة للعام 2024 (القانون 324/2024)، تبلغ موازنة المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي 25.8 ألف مليار ليرة (نحو 288.5 مليون دولار أميركي)، وهي تمثل نسبة 8.4% من الموازنة العامة. وتصل كلفة رواتب الضباط والرتباء والعناصر (تشمل الأجور وملحقاتها) إلى 6 آلاف مليار ليرة، تمثّل 23.6% من موازنة المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي.

رواتب لا تكفي للعيش بكرامة
يعاني العناصر والرتباء والضباط، كما غيرهم من موظفي القطاع العام، من فقدان الرواتب والأجور لقيمتها الشرائية، رغم المساعدات التي قدّمتها الحكومة. ومنذ عام 2022، لم تتجاوز الرواتب والمساعدات 11 ضعف قيمتها السابقة في وقت زاد التضخّم على 59 ضعفاً.
وسيراوح متوسط الدّخل الجديد بين 295 دولاراً لصغار العسكريين و703 دولارات للعمداء، رغم كل الزيادات التي تتضمن الرواتب الأساسية والمساعدات الاستثنائية، وآخرها تلك المحددة بموجب المرسومين 13019 و13020 تاريخ 28/02/2024، وكذلك تلك التي صدرت بموجب المادة 111 من قانون الموازنة العامة للعام 2022، والمساعدة التي منحت بموجب المرسوم 11277/2023 (4 رواتب)، إضافة الى بدل النقل المقطوع للعسكريين.
ويبدأ دخل الجندي اذا ما دخل الى الخدمة حاليا من حوالي 277 دولاراً، ويصل الى حد أقصى هو 366 دولاراً، فيما يراوح راتب الرقيب بين 283 و376 دولاراً.

تطويع جديد برواتب هزيلة
في 28 شباط 2024، قررمجلس الوزراء بموجب قراره رقم 18/2024، الموافقة على طلب وزارة الداخلية والبلديات تطويع 800 عنصر في قوى الأمن الداخلي، على أن تعطى الأفضلية لمن سبق أن تقدموا بطلبات انتساب وأجريت لهم الإختبارات المطلوبة عامي 2018 و2019 ولا يزالون يستوفون الشروط.
وكان ذلك بناء لتبريرات قدمتها وزارة الداخلية والبلديات، وأوردتها في كتابها المرفوع الى المجلس، تفيد فيه بأن قوى الأمن الداخلي «تقوم بمهام هائلة متعددة أولتها إياها القوانين، وهي تعمل على التصدي لها وتحمّل مسؤولياتها بهذا الشأن رغم جميع الظروف المحيطة بعملها، سواء لناحية تطور أنماط الجريمة، أو تفشي ظاهرة التعديات على الأملاك العامة والخاصة وإقلاق الراحة، وتكاثر حالات المظاهرات والاعتصامات، إضافة إلى ما خلّفه النزوح السوري من تداعيات أمنية واجتماعية»، معتبرة أن هذا كله «يستوجب وجود العديد الكافي من العناصر لمواجهة جميع هذه الحالات بما يحمي الأمن والسلم ويحفظ حقوق الناس وحرياتهم، في ظل ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة بسبب انهيار العملة الوطنية وما رافقه من ارتفاع في الأسعار وعدم استقرار سعر الصرف وانعكاسه السلبي على موازنة قوى الأمن الداخلي، ما انعكس سلباً على التقديمات الصحية والاجتماعية وتدني قيمة المعاشات الشهرية وتعويضات نهاية الخدمة للعناصر». وعرضت الوزارة في تقريرها أن قوى الأمن الداخلي «تعاني حالياً من نقص حادّ في عديدها لأسباب عدة، أهمها وقف التطويع وترك السلك عبر الاستقالة او التسريح وحالات الفرار، والنقص المستمر في عديد عناصر قوى الأمن الداخلي بات يفرض إرباكاً على عمل هذه القوى وقدرتها على القيام بالمهام المفروضة عليها قانوناً ومواجهة التحديات الناتجة عنها، ما يقود إلى وجوب المبادرة إلى ملء النقص الحاصل في العديد، وذلك من خلال تطويع عناصر جديدة مؤهلة للمساعدة في تلبية المهام المطلوبة للقيام بالأعباء والمهام الملقاة على عاتق قوى الأمن الداخلي، واستجابة للإرادة الوطنية الصادقة الداعية إلى المحافظة على الأمن والسلم ومكافحة الجريمة، وحماية الحقوق والحريات في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها لبنان على كافة المستويات».
تجدر الإشارة إلى أن وزارة المالية رفضت التطويع لأسباب قانونية بمنع الموظفين


تجدر الإشارة إلى أن وزارة المالية رفضت التطويع معتبرة أن المادة 80 من قانون الموازنة العامة والموازنات الملحقة لعام 2019 نصت على ما يلي: «توقف جميع حالات التوظيف والتعاقد الجديد في الإدارات والمؤسسات العامة بما فيها القطاع التعليمي والعسكري والأمني بمختلف تسمياته واختصاصاته تحت التسميات كافة: تعاقد، مياوم، شراء خدمات، باستثناء الإنفاق ضمن حدود الاعتمادات المخصصة لكل إدارة والعقود التي تجدد سنوياً أو ما شابه في القطاع العام، بما فيها عملية التطويع بدل المحالين على التقاعد». وبالتالي، طلبت المالية عدم الموافقة على الطلب. إلا أن مجلس الوزراء وافق على اقتراح وزارة الداخلية والبلديات بتطويع 800 عنصر في قوى الأمن الداخلي بصفة فرد متمرن، على يتم اختيارهم من بين الذين تقدموا بطلبات تطوع وخضعوا لفحص الصحة العامة والرياضة البدنية والاختبار الخطي، ولا يزالون يستوفون الشروط. ولكن هناك سؤال أساسي: هل لا يزال هؤلاء الأفراد راغبين في التطوّع إزاء تدني الرواتب؟







بلاغات البحث والتحرّي محددة بعشرة ايام
أصدر النائب العام لدى محكمة التمييز بالتكليف القاضي جمال الحجار ثلاثة تعاميم بتاريخ 5/3/2024، اثنان منها حول التقيد بمدة بلاغ البحث والتحري، والثالث حول تقيد النيابات العامة الاستئنافية بتعاميم النائب العام لدى محكمة التمييز، طالباً عدم إصدار التعاميم الا بواسطته حصرا عملا بالمادة 38 من قانون اصول المحاكمات الجزائية التي تنص على ما يلي: «يقوم بوظائف الضابطة العدلية تحت إشراف النائب العام لدى محكمة التمييز النواب العامون والمحامون العامون».
واستند الحجار في موضوع بلاغ البحث والتحري الى المادة 24 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي حددت مدته بعشرة أيام يسقط بعدها البلاغ حكماً، ما لم تقرر النيابة العامة تمديده لثلاثين يوما يسقط بعدها حكماً. وطلب من قوى الأمن والنيابات العامة التقيد بالأحكام القانونية التي ترعى المدة القصوى لبلاغات البحث والتحري، وعدم تمديد مدتها بما يتجاوز أحكام المادة 24 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وعدم اصدار بلاغات بحث وتحر مفتوحة المدة لغياب السند القانوني.


فتح باب التطوّع في الامن الداخلي
دعت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في بيان لها كل من سبق وتقدّم بطلبات للتطوّع في العامين 2018 و2019، من الذكور والإناث، بصفة رقيب أو دركي متمرّن، واجتاز الاختبارات الصحيّة والخطيّة واختبار الرياضة البدنيّة، «ولا يزال يرغب بالتطوّع في قوى الأمن، أن يتقدّم بطلبات يُعلن فيها قبوله التطوّع بصفة دركي متمرّن». كما نص البيان على الشروط التالية: ألّا يكون قد تجاوز 30 عامًا للحائزين على إجازة جامعيّة أو ما يُعادلها رسميًّا حتّى 31/12/2024. وألّا يكون قد تجاوز حتى التاريخ المذكور 27 عامًا لباقي المرشّحين الراغبين بالتطوّع. وأن يكون عازبًا، أو مطلّقًا من دون أولاد، أو أرملًا من دون أولاد. كما تُقدّم الطلبات شخصيًّا من قبل المرّشحين والمرشحات اعتبارًا من تاريخ 08/03/2024 وحتّى 28/03/2024 ضمنًا.