ليس من المبالغة القول إن جريمة الإبادة الجماعية التي تُرتكب منذ أكثر من ستة أشهر هي أكبر وأبشع جريمة على مر التاريخ من حيث أعداد المشتركين في ارتكابها، بأفعال وصور وأوصاف ومستويات مختلفة من الإجرام. وإذا كان مسرح أي جريمة يتمثل في النطاق الجغرافي الذي تقع فيه وطريقة تنفيذها والمساعدة المقدّمة لمرتكبها سواء قبل تنفيذها أو أثناءه أو بعده، فإن مسرح جريمة الإبادة الجماعية بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة هو الأكبر على مر التاريخ، إذ يمثل النطاق الجغرافي لهذه الجريمة أغلب مساحة الكرة الأرضية، وينتشر المشتركون في ارتكابها في قارات العالم، بمن فيهم الأنظمة العربية بما يجعلها من الناحية القانونية في ما يتعلق بالمسؤولية الجنائية في مرتبة المنفّذ المباشر للجريمة.ويترتب على مشاركة الأنظمة العربية العقوبة نفسها المقررة على الكيان الصهيوني، المنفذ المباشر للجريمة. فالأنظمة العربية الحاكمة فى الإمارات والأردن والسعودية، التي عملت على تسهيل وصول الاحتياجات المختلفة لهذا الكيان المجرم، تدرك تماماً أنها تمكّنه من الاستمرار في ارتكاب جريمته، وتحدّ من فعالية إجراءات المنع والقمع التي اتخذتها القوات المسلحة لبلادنا في البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن والمحيط الهندي، ومن فعالية إجراءات محور المقاومة. ورغم أن هذه الأنظمة تدرك آثار مساعدتها للكيان المجرم، تستمر في تقديم هذه المساعدة، وهي تشاهد على مدار الساعة آثار تلك الجريمة بحق الأطفال والنساء والشيوخ والتدمير المتعمّد والممنهج لكل مقوّمات الحياة في قطاع غرة.
وطالما أن هذه الأنظمة على بصيرة من آثار سلوكها المساند لمنفّذ الجريمة، فإن نيتها وقصدها الجنائي ينصرفان إلى ما انصرفت إليه إرادة وقصد الفاعل المباشر، وهو تحقق النتيجة المتمثلة في فعل الإبادة الجماعية لجميع سكان القطاع، سواء بالقصف بالطيران أو بالحصار وما يترتب عليه من انتشار للأمراض والأوبئة التي تفتك بالصغار والكبار، وكذلك الحال بالنسبة إلى المجاعة الناتجة عن منع دخول الغذاء إلى القطاع المحاصر، ما يعني يقيناً أن إرادة هذه الأنظمة انصرفت في ما يتعلق بالنتيجة الإجرامية إلى ما انصرفت إليه إرادة الفاعل المباشر. ولذلك، ينطبق عليها ما ينطبق على الفاعل المباشر من أحكام، وكذلك الحال في ما يتعلق بإمداد الأردن ومصر وتركيا وغيرها من الأنظمة العربية والإسلامية للكيان المجرم بالمنتجات الزراعية والمواد الأولية. وهذا الأمر من شأنه أن يساعد الفاعل المباشر على الاستمرار في ارتكاب جريمته، إذ لن يهمّه أبداً نقص أو شح في المواد الغذائية وغيرها من المواد الأولية اللازمة للصناعة واستمرار مصانعه والأيدي العاملة في العمل والإنتاج، بما يمكن أن يكون له أثر سلبي على استمراره في ارتكاب جريمة الإبادة.
كما أن استمرار توريد هذه الأنظمة للمواد الغذائية والمواد الأولية إلى الفاعل المباشر للجريمة، وهو في حالة ارتكاب لأفعالها، يغري هذا المجرم بالاستمرار في ارتكاب جريمته، وسيُعتبر موقف الأنظمة المورّدة موافقة منها على ارتكاب جريمة الإبادة.
وكذلك الحال بالنسبة إلى مصر التي تحاصر قطاع غزة وتمنع دخول الغذاء أو حتى تهريبه، وما يحتاج إليه المجاهدون من أسلحة ومعدات قتالية تمكّنهم من الدفاع عن أنفسهم وأسرهم. والحكومة المصرية تدرك تماماً أن الكيان الصهيوني بوصفه الفاعل المباشر لجريمة الإبادة يتلقى شحنات الأسلحة الفتاكة من أطراف متعددة، في وقت يعترض الجيش المصري الصواريخ والمُسيّرات التي يطلقها جيشنا اليمني بهدف إجبار الكيان الصهيوني على التوقف عن ارتكاب أفعال جريمة الإبادة الجماعية، ورفع الحصار والسماح بإدخال الدواء والغذاء إلى السكان المدنيين.
وينطبق الأمر نفسه على الأنظمة العربية الأخرى، الكويت وقطر والبحرين، التي تُعد أراضيها منطلقاً لقوات الدول الغربية المساندة والداعمة لمرتكب جريمة الإبادة الجماعية، وتنقل من قواعدها العسكرية في هذه الدول مختلف أنواع العتاد الذي يستخدمه الكيان الصهيوني في ارتكاب جريمته. لذلك، ينطبق على هذه الأنظمة أيضاً، ما ينطبق على الفاعل المباشر من أحكام تترتب على جريمة الإبادة الجماعية، كونها تُعد شريكة في ارتكاب الجريمة.
يمتد النطاق الجغرافي ويتسع مسرح الجريمة ويزداد عدد المشتركين في ارتكابها ليشمل منظمة الأمم المتحدة


وكل ما سبق ينطبق بدرجة أعلى على الإدارة الأميركية والحكومة البريطانية وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وغيرها من الدول الغربية التي تقدّم المساعدة للكيان الصهيوني. فكل هذه الدول التي أعلنت مواقف مساندة للكيان الصهيوني تدرك أن هذا الكيان يرتكب جريمة إبادة جماعية، مستخدماً الأموال والأسلحة والمعدات العسكرية التي قدّمتها ولا تزال تقدّمها له هذه الدول، وهذا يعني أنها ترغب في تحقّق النتيجة الجرمية التي يسعى الفاعل المباشر إلى تحقيقها، وهي الإبادة الجماعية لكل من في قطاع غزة.
ويمتد النطاق الجغرافي، ويتسع مسرح هذه الجريمة، ويزداد عدد المشتركين في ارتكابها، ليشمل منظمة الأمم المتحدة بوصفها شخصية معنوية مستقلة عن الدول المكوّنة لها، تقع على عاتقها التزامات قانونية دولية تجاه الدول والشعوب التي تتعرّض لحروب عدوانية من جانب القوى الاستعمارية، أو ترتكب بحقها جرائم حرب أو جرائم إبادة جماعية.
والواضح تماماً أن منظمة الأمم المتحدة تدرك أن ما يرتكبه الكيان الصهيوني في قطاع غزة جريمة إبادة جماعية، والأصل أن واجب المنظمة الدولية ينصب على وقف الجريمة ومنعها وقمع مرتكبيها وفقاً لأحكام ميثاقها وأحكام اتفاقية منع الإبادة الجماعية، لكن تنصلها من واجباتها يجعلها شريكة للكيان الصهيوني في ارتكاب الجريمة. وبذلك يكون مسرح جريمة غزة أوسع مسرح جريمة على مرّ التاريخ، ويكون عدد المشتركين فيها هو الأكبر أيضاً في تاريخ البشرية.

* عضو مجلس الشورى في اليمن