غزة | لقد كان استخدام المناديل الورقية في مسح الدموع، أكثر من كتم الضحكات أو تناول فشار بشيء من الترف، خلال العرض الأول لمسرحية «القفص» التي تعرض في قطاع غزة، على ضوء المشهد التراجيدي الذي قدمه الممثلون ويحاكي واقع المواطنين البائس بفعل الحصار ونتائج الحرب الكارثية على غزة.
وعلى عكس ما توقع الحضور الذي توافد إلى «مسرح سعيد المسحال» (غرب مدينة غزة) لكسر الملل أو احلال الابتسامة على وجهه، فقد كان الجو كئيباً. انعكس ذلك في الديكور الذي يحاكي واقع اللاجئين في مراكز الإيواء ممن فقدوا المأوى والجرحى المحرمين من تلقي العلاج في الخارج بفعل اغلاق المعابر.
ويعد هذا العمل الذي افتتحته «مؤسسة عشتار» للمؤلف والمخرج على أبو ياسين، هو العرض الأول الذي يلامس حياة الناس بعد العدوان الأخير الذي استمر51 يوماً في الصيف الماضي.
ورغم سوداوية المشهد، إلا أن التصفيق كان حاراً للعرض الذي يجسد معاناة بطلة المسرحية حنان التي فقدت والدتها ومنزلها وجزءاً من جسدها، وتنتظر ضمن قائمة طويلة من الجرحى للمرور عبر معبر رفح الواصل بين القطاع ومصر لتلقي العلاج. لكن المسرحية انتهت من دون أن تحظى الفتاة بتذكرة العبور إلى مكان آخر خارج هذا السجن الكبير الذي يستوعب أكثر من مليون و800 ألف نسمة.
أكثر ما أثار الكآبة على وجوه الحاضرين هو توافد الممثلين واحداً تلو الآخر على شكل مسؤولين محليين يرتدون ربطات عنق وأحذية لامعة، أتوا لتفقد حالة الجريحة داخل مركز الإيواء، وكانوا يقدمون مجسمات تذكارية وخطباً حماسية، أكثر منه مساعدة حقيقية للفتاة التي اعتصمت بالصمت طوال العرض في نقد مبطن إلى المسؤولين الذين يكتفون بالشعارات، لكن من دون تحديد هوياتهم.
وأمام سوداوية المسرحية التي تضمنت فصلا واحداً، جاء من خلف الكواليس أربعة من الممثلين بينهم سيدة، حاولوا أن يرسموا مشهدا آخر لأسرة تركت منزلها وجاءت لتقتات على بقايا المساعدات الإغاثية التي تقدمها الوكالة الدولية (اونروا) إلى القاطنين في «الايواء». أحدهم كان يصرخ أين هي عُلب السردين؟ وآخر كان يخبئ وجهه من الناس خجلاً بفعل ثوبه المهلهل.
سينوغرافيا المكان كانت توحي بالتبلد، حتى أن العائلتين اللتين تجاورتا في مركز الايواء كانتا أشبه ببقايا أناس مرت عليهم آلة الموت، فخلفتهم بلا مأكل ولا ملبس فارتدوا ما جادت به أيدي فاعلي الخير.
ويسجل لفريق التمثيل وهو من الشباب الذين لا تتجاوز أعمارهم الثلاثين، أنهم نجحوا في تجسيد الأدوار. غير أن صخابة الأصوات الخلفية كانت محل انتقاد على ضوء معايشة الحضور لواقع القصف المتكرر. يعود ذلك إلى ضعف الإمكانات وفق ما قاله الممثل الشاب علي الحسني لـ «الاخبار».
بيد أن المخرج ابو ياسين، رأى أنّ مسرحيته محاولة لاستجلاب استعطاف الناس، خصوصا أولئك الذين دمرت بيوتهم واستُشهد أبناؤهم، مشيراً إلى أنّ المسرحية تعكس أيضاً الواقع الأليم لسكان مراكز الايواء، وما وصلت إليه حال الباعة الجوالة الذين يقتاتون على الفتات.
انتهى العرض المسرحي إلى رسالة جاءت على لسان البطلة حنين مفادها أن الوطن يجب أن يكون فوق كل المصالح الضيقة، وغزة لن تعود جميلة إلا إذا كان الناس على قلب رجل واحد.