قدّم المسرحي حسام الغريبي مسرحيته الجديدة «شريدة» في افتتاح النسخة الثالثة من «مهرجان مسارات المسرح» في المهدية في تونس. المسرحية التي ألّفها الغريبي، أدّاها قدماء «الفرقة القارة» في المهدية (تم حل الفرقة في 1992) وهم الثلاثي محمد قريع ومحمد الحجاج ومحمد خميس.تحكي المسرحية عن موت الرايس ربّان السفينة، تاركاً ثلاثة أبناء، كل منهم يريد أن يكون الوريث لوالده. لكن الابن الأكبر نوح (محمد قريع) يستولي على قيادة السفينة التي تغرق في البحر ويهلك عشرون بحاراً في المتوسط وينجح الأشقاء الثلاثة في النجاة ويعودون إلى المدينة تطاردهم رائحة الموت. يُفتح تحقيق في غرق السفينة ليتبين أن الشقيق الأصغر «سنوبري» (محمد خميس) هو الذي تعمّد إحداث عطب في محرّك السفينة، مما تسبّب في قتل عشرين بحاراً كانوا يعملون معهم على السفينة المسماة «فاطمة الزهراء» بسبب الغيرة من شقيقه!
حسام الغريبي أحد ألمع خريجي المعهد العالي للفن المسرحي في السنوات الأخيرة، انطلق من البيئة المحلية في مدينة المهدية التي لا يكاد يمر عام واحد من دون أن يلتهم البحر المتوسط عدداً من بحّارتها ليطرح قضايا عربية وانسانية. فالأشقاء تحولوا إلى أعداء بل قتلة. ونستحضر هنا قابيل وهابيل كما يحضر القاموس الديني من خلال اسم نوح وشقيقه يونس، فنوح قاد سفينة على متنها «من كل زوجين اثنين»، ويونس كما جاء في القرآن «فألتقمه الحوت وهو مليم».
واللافت في المسرحية حضور القاموس الشيعي، فمدينة المهدية كانت عاصمة الفاطميين قبل انتقالهم إلى مصر وتأسيس القاهرة المعزية نسبة إلى المعز لدين الله الفاطمي حاكم المهدية في 932 الذي أرسل قائد جيشه جوهر الصقلي لبناء القاهرة، وهو من الشيعة الإسماعيلية وذلك باختيار أسم فاطمة الزهراء للسفينة الغارقة.
النص الذي كتبه حسام الغريبي على قدر كبير من الشعرية، وقد إنبهر الجمهور بأداء الممثلين العائدين إلى الركح بعد غياب طويل. تحفل المسرحية بحوارات مع البحر القاتل الذي أكل فيه الحوت عشرات البحّارة من أبناء المهدية الذين ضاعوا في عتمة البحر وغضب أمواجه. فمسرحية «شريدة» انطلقت من بيئة المهدية (كلمات كثيرة لا تستعمل خارج المهدية) لتطرح قضايا عربية وخاصة الصراع المذهبي العبثي، إلى جانب معاناة البحارة الذين يطاردون الرغيف فيطاردهم.