شهدت المساحة الثقافية في بيروت في الآونة الاخيرة مختلف العروض الراقصة و المعاصرة. ولكن مساء اليوم سيستضيف مسرح «مونتاني» في المعهد الفرنسي في لبنان عرض «موذر تونغ» (اللغة الأم). عرض صولو للرقص المعاصر، هو باكورة أعمال الراقص الشاب بيار جعجع.
لم يدخل بيار جعجع عالم الرقص من باب الصدفة. في الرابعة عشر من عمره، بدأ تدريبات الرقص الكلاسيكي بتمارين الباليه التقليدي والباليه جاز في معهد «أرابيسك»، ثم انتقل الى المدرسة اللبنانية لجورجيت جبارة، والأكاديمية الفرنسية للرقص، ثم تدرب مع مصممي الرقص عبد الحليم كركلا وندى كعنو. ولكن الراقص الشاب وجد في الرقص المعاصر مساحات أوسع للتعبير عن الفن والذات. وقد اشتغل على تعزيز موهبته وشغفه عبر مشاركته في ورشات عمل مع فنانين عالميين أمثال مسيل سليمان وإيملين كليد وغيرهم. ثم انتقل الى باريس في مركز «كولين» تحت اشراف مصممي الرقص الاستاذين شلوين تويزر وإدمون روسو، الى أن قرر أخيراً خوض تجربة الصولو الاولى له.
هي تجربة أراد الراقص الشاب من خلالها أن يعكس تجربة حياتية له كشاب أصمّ ناضل وثابر في عالم كثرت فيه الضوضاء والكلام العبثي، ليجد في الرقص المعاصر فسحة لمزج لغته، لغة الإشارات مع حركات جسد لم تخلُ من العبقرية الاحترافية.
أربعون دقيقة بدت حالمة و عميقة في الايقاع العام للعرض. فجاءت الاشارات لغة تعبيرية مميزة لترجمة الصراع الداخلي للذات عبر تكوّر جسده النحيل وانبساطه، محاكياً اضطراباته الداخلية والنفسية، معبراً عن مفاهيم السيطرة والاستحواذ والتحكم نظراً لتغيرات أفراد مجتمعه. مجتمع قاسٍ يصعب عليه تقبل من هو مختلف.
يتمايل جسده على ايقاعات موسيقية جميلة تحمل ثيمات متعددة من الدرامية الكلاسيكية والإيقاعات المعاصرة. وتتخلل العرض لوحات استهلالية ومشهديات صوتية ومقاطع فيديو. إنها لوحة مشهدية متكاملة خالية من التكلّف وبعيدة عن الكلاسيكية المعهودة، وبحركات نمطية حوّلت حواره الى وسيلة تعبيرية لانطلاقة الجسد الحر.
في عرض «موثر تونغ»، لا يعود الرقص المعاصر تكنيكاً يتّبع أسلوباً معيناً، بل هو جسد يتمتع بحرية لا حدود لها، إضافةً إلى رؤية اخراجية غلبت عليها البساطة، وديكور يتألف من طاولة و كرسي خشبي لتتنقل أطراف الجسد الراقص بخفة ومرونة وانسيابية.
لغة الاشارة هي «اللغة الأم» لبيار جعجع. صولو راقص يجمع السلاسة المعبرة للغة الجسد مع لغة الاشارة الجسدية واللإيقاعية، حابكاً كل تلك العناصر في عرض مميز ومتماسك لراقص أصمّ استطاع أن يخلق علاقة مميزة بين الموسيقى وإيماءات الجسد.



«اللغة الأم»: 20:00 مساء اليوم وغداً ــ «مونتاني» (المعهد الفرنسي في لبنان)