افتتحت المخرجة الشابة ليلى بوزيد الموسم السينمائي في تونس بشريطها الجديد «مجنون فرح» الذي استعاد قاعات السينما الجمهور بعد توقف دام حوالي عام ونصف العام. الفيلم (103دقيقة ـ إنتاج تونسي فرنسي) هو الثاني الطويل للمخرجة ليلى بوزيد، ابنة أشهر المخرجين التونسيين النوري بوزيد، صوِّر بالكامل في باريس، ليقدّم حكاية بسيطة تطرح من خلالها بوزيد أزمة الهوية التي يعيشها الشباب الفرنسي من أصول مغاربية وسؤال العلاقة مع الجسد في المخيال العربي.
يروي الشريط قصة طالبة تونسية تدعى فرح تسافر إلى باريس لدراسة الأدب العربي في «جامعة السوربون». وعلى مقاعد الجامعة، تلتقي بأحمد وناس شاب فرنسي من أصول جزائرية، والده صحافي هاجر إلى باريس في العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر، فلم يجد عملاً فيها إلا في حضائر البناء، فينطوي على نفسه. وكان لهذا الأنطواء تأثير كبير على ابنه أحمد الذي لا يعرف اللغة العربية، لكنه يعيش التردد والخجل في علاقته مع جسده عندما تحاول «فرح» الاقتراب منه.
العلاقة بين فرح وأحمد تكون بدايتها درس الأدب العربي الذي يفتح عينيهما على ارث العشق في الثقافة العربية والجسد من خلال قصائد وكتب الأيروتيكا مثل كتاب «الروض العاطر في نزهة الخاطر» للتونسي الشيخ النفزاوي الذي يعتبره أحمد وناس مجرد كتاب إباحي. وبعد «هروبه» من فرح بسبب الخجل والتردد، يغادر الجامعة منطوياً على نفسه. لكنه يعود بعد غياب وينجح في الانتصار على تردده. من خلال هذه القصة البسيطة، تقدّم ليلى بوزيد في هذا الشريط الارث المستنير للثقافة العربية، خاصة أن الشريط ناطق باللغة الفرنسية ليكتشف الفرنسيون من أصول عربية أن الثقافة العربية ثقافة غنية بالكتب التي اهتمت بالعشق والحب واحتفت بالجسد وليس كما يصور الاسلاميون التراث على أنه نصوص محنطة. وفي الشريط دعوة ملحة للتعامل النقدي مع التراث العربي الاسلامي.
كما تطرح قضية الهوية التي يعانيها الشبان، بخاصة الذين من أصول مغاربية، فلا هم مغاربة ولا هم فرنسيون. فأحمد لا يعرف الجزائر وهو من مواليد باريس لكنه يحمل كل عقد الثقافة العربية ومسلماتها، وهو نموذج للشبان الذين ولدوا وتربوا في أحياء المهاجرين التي تشبه المعتقلات، وهو من أسباب فشلهم في الاندماج في المجتمع الفرنسي وتوجه عدد كبير منهم نحو التنظيمات المتطرفة.
وحيت ليلى بوزيد من خلال شخصية الطالبة فرح الزعيم الحبيب بورقيبة (1903_2000) الذي راهن على تحديث المجتمع التونسي من سن تشريعات مجلة الأحوال الشخصية وفرض التعليم على الكلّ.