يعود المخرج المغربي نبيل عيوش في شريطه الجديد «علّي صوتك» الى حي «سيدي بن ميمون» الشعبي في ضواحي الدار البيضاء. الحي نفسه كان قد استلهم منه قبل سنوات رائعته السينمائية «يا خيل الله» (2012) التي تناول فيها تغلغل التشدد الديني واستغلال الفقراء في تنفيذ عمليات أرهابية بعد حشو وجدانهم بأفكار العنف والقتل وقبله كان فيلم «علي زاوا» (1999). في شريطه الجديد الذي يستحضر فيه أغنية المطرب المصري محمد منير «علي صوتك بالغناء لسة الاغاني ممكنة» من في فيلم «المصير» ليوسف شاهين، يقدّم عيوش حكاية أخرى من حكايات هذا الحي من خلال يوميات المركز الثقافي فيه وتطلع مجموعة من الشبان لتغيير حياتهم عبر الفن وتحديداً فن الراب وسط رفض اجتماعي. هذا الشريط الذي اختير ضمن المسابقة الرسمية لـ «أيام قرطاج السينمائية» المقام حالياً بدورته الثانية والثلاثين، بعدما عرض في مهرجاني «كان» و«الجونة» ضمن المسابقة الرسمية.
يبدأ الفيلم بوصول أنس (انس بسبوس) إلى «حي سيدي مومن» لتعليم الشبان في المركز الثقافي. ومن البداية، يتوه انس في ازقة الحي الشعبي الذي يعاني التهميش والاكتظاظ وغياب البنية الأساسية ككل الأحياء الشعبية على اطراف المدن الكبرى. يصل انس إلى المركز الثقافي وتبدأ رحلته مع مجموعة من الشبان الذين يمارسون الرقص وأغلبهم في عمر المراهقة. ورغم رفض مديرة المركز لأسلوب أنس في التدريس، يصر على مساره ويعمل على تأهيل هؤلاء الشبان حتى ينجحوا في التعبير عن أفكارهم ورؤاهم بحرية، فنسمع ونشاهد نقاشات حول الدين والموسيقى والحرية.
يدفع انس الشبان الناشطين في المركز لاكتشاف ذواتهم والنقاط الإيجابية في شخصيتهم حتى يكونوا مواطنين إيجابيين. ومن خلالهم، نتعرف إلى عائلاتهم الفقيرة ومواقفها من الفن وخاصة فن الراب. إذ تحرص بعض العائلات على منع بناتها من مواصلة النشاط في المركز الثقافي، لكن إصرارهن كان أكبر. يقدم نبيل عيوش مشاهد متعددة لحي سيدي مومن، فنكتشف البؤس وجهود المتشددين في استقطاب الشبان في حلقات الاستقطاب بعد صلاة العشاء. ويتوج أنس جهوده بتنظيم حفلة للفرقة التي أسسها في المركز، مما يثير حفيظة سكان الحي الذين يحاولون تعنيفه لأنه أفسد شبابهم وأبعدهم عن طريق الله والدين!
شريط «علّي صوتك» هو مراوحة بين الروائي والتسجيلي؛ فنبيل عيوش أسس مركزاً ثقافياً في حي سيدي بن ميمون قبل سنوات، ويديره مغني الراب السابق أنس بسبوس وأغلب الشبان الذين شاركوا في الفيلم هم من الناشطين في هذا المركز. وهو المركز الوحيد في هذا الحي الذي يعد من أكبر أحياء الدار البيضاء. الفيلم هو شهادة على قدرة الفن على تغيير حياة الشباب وانقاذهم من التهميش وتشجيعهم على اكتشاف النقاط الإيجابية في ذواتهم.