أسدل الستار أمس على «معرض تونس الدولي للكتاب» وسط جدل حول تقييم الدورة الـ36، بخاصة على مستوى الضيوف. إذ سجّلت الدورة غياب بعض الذين كان يفترض أن يكونوا من بين الضيوف مثل الشاعر البحريني قاسم حداد، والروائي السعودي عبده خال، في حين حضر من الجزائر أمين الزاوي وربيعة جلطي، ومن مصر أحمد الشهاوي وعلاء عبد الهادي، ومن الأردن الروائي جلال برجس، والشاعر شوقي بزيع من لبنان إلى جانب الكتّاب التونسيين.وقد احتفى المعرض بالثقافة الموريتانية من خلال استضافة موريتانيا كضيف شرف، وكانت مناسبة للتذكير بـ «طريق الحبر من القيروان إلى شنقيط». وقد تضمّن الجناح الموريتاني معرضاً للمخطوطات ومجموعة من اصدارات وزارة الثقافة الموريتانية. كما احتفى بمؤسس وزارة الثقافة في تونس الامين العام الأسبق للجامعة العربية الشاذلي القليبي، ومؤسس المعرض وزير الثقافة في حكومة محمد مزالي منتصف الثمانينات البشير بن سلامة والاعلامي فرج شوشان.
سجّل المعرض هذه السنة غياب الدور المغربية وبعض الدور اللبنانية مثل «الآداب» و«الساقي» و«الفارابي» و«الطليعة»، لكن التميّز كان لدور النشر التونسية التي كانت مفاجأة الدورة. إذ شهدت أجنحة الدور التونسية اقبالاً مكثّفاً من الزائرين. كما عرضت عدداً كبيراً من الإصدارات الجديدة، بخاصة في مجالات تحليل الخطاب الديني ورصد الحراك الاجتماعي الذي تعيشه البلاد منذ عشر سنوات والمذكرات السياسية والإسلام السياسي والانتقال الديمقراطي.
الملاحظة التي تتكرّر في معرض الكتاب منذ سنوات هي غياب الجمهور في ندوات البرنامج الثقافي. مفارقة عجيبة إذ بقدر ما اكتظت أجنحة المعرض بالزوار، خصوصاً في نهاية الأسبوع بقدر ما كانت الندوات الثقافية بلا جمهور تقريباً على الرغم من أهميتها. إذ خصّص المعرض ندوات حول التدين والرواية والترجمة والابداع والملتميديا والاتجاهات الجديدة في الشعر التونسي والسرد وغيرهما من المحاور لكن المتابعة كانت غائبة!
ولعل الاستثناء كان في باب منتدى الكتاب المخصّص للشباب من المبدعين من الطلبة. وقد حضر الشاعر الراحل محمد الصغير أولاد أحمد في هذا المنتدى من خلال قصائده التي أنشدتها ابنته كلمات التي كانت مفاجأة الدورة.
وللمرة الأولى، تنفذ إدارة المعرض برنامجاً مشتركاً مع وزارة التربية، وقد تم تأمين رحلات يومية من كل محافظات البلاد الى المعرض للتلاميذ من مستويات تعليمية متفاوتة. وقد كان هؤلاء التلاميذ نجوم المعرض. كما أمنّت المكتبات العمومية (وزارة الثقافة) رحلات إلى المعرض وهو تقليد قديم تم تطويره في هذه الدورة، وخصص المعرض جناحاً للأطفال نظّمت فيه ورشات في الحكاية والرسم والقراءة إلى جانب برنامج مشترك مع المعهد الفرنسي.
الملاحظة البارزة في هذه الدورة غياب كتب السلفية التي كانت الأكثر حضوراً في الدورات السابقة، خصوصاً منذ عشر سنوات في ظل حكم الإخوان الذين شجعوا على ترويج وطبع الكتب التي تدعو «إلى السلف الصالح» و«الجهاد» و«دولة الخلافة». وهو ما ينبئ بأنّ تونس بدأت تتعافى ربما من التطرّف الديني وسطوة المتشدّدين الذين وجدوا في حكم حركة «النهضة» الفرصة التي جعلتهم يسيطرون على الفضاء العام ونشر ثقافة التكفير والاغتيال التي حصدت أرواح أكثر من 300 تونسي بين مدنيين وجيش وأمن.