بعد الحملة الافتراضية الواسعة التي طالبت بوفقه باعتباره مسيئاً للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي ولأبنائهم المولودين عن طريق تهريب النطف واتهامه بالمساواة بين الضحية والجلّاد، نقل التلفزيون الأردني منذ قليل عن الهيئة الملكية الأردنية للأفلام أنّها قرّرت سحب فيلم «أميرة» من سباق جوائز الأوسكار 2022، بعدما كانت قد اختارته لتمثيل الأردن رسمياً في الدورة الـ 94 من الاحتفال السينمائي البارز ضمن فئة أفضل فيلم أجنبي.جاء ذلك بعدما كانت أسرة الفيلم قد أصدرت بياناً نشره المخرج المصري محمد دياب على السوشال ميديا جاء فيه أنّ «الأسرى الفلسطينيين ومشاعرهم هم الأولوية لنا وقضيتنا الرئيسية»، مؤكداً أنّه «سيتم وقف أي عروض للفيلم» ومطالباً بـ «تأسيس لجنة مختصة من قبل الأسرى وعائلاتهم لمشاهدته ومناقشته. نحن مؤمنون بنقاء ما قدمناه في فيلم «أميرة»، من دون أي إساءة للأسرى والقضية الفلسطينية». وأضاف البيان: «منذ بداية عرض الفيلم في أيلول (سبتمبر) 2021 في مهرجان البندقية، والذي تبعه عرضه في العالم العربي في مهرجاني الجونة وقرطاج وشاهده آلاف من الجمهور العربي والفلسطيني والعالمي، كان الإجماع دائماً على أنّ العمل يصوّر قضية الأسرى بشكل إيجابي وإنساني وينتقد الاحتلال بوضوح». وتابع: «كان من المفهوم تماماً لأسرة الفيلم حساسية قضية تهريب النطف وقدسية أطفال الحرية، ولهذا كان القرار التصريح بأن قصة الفيلم خيالية، ولا يمكن أن تحدث، فالفيلم ينتهي بجملة تظهر على الشاشة تقول «منذ 2012 ولد أكثر من 100 طفل بطريقة تهريب النطف. كل الأطفال تم التأكد من نسبهم. طرق التهريب تظل غامضة».
وأوضح: «لم تترك أسرة الفيلم الأمر للتأويل، بل أكدت بهذه الجملة أن الفيلم خيالي وأن طريقة التهريب الحقيقية غير معروفة، بل إن عمر البطلة في الفيلم 18 عاماً يتنافى منطقياً مع بداية اللجوء لتهريب النطف في 2012»، مشدداً في الوقت نفسه على أنّ الشريط «يتناول معاناة وبطولات الأسرى وأسرهم، ويظهر معدن الشخصية الفلسطينية التي دائماً ما تجد طريقة للمقاومة والاستمرار، ويحاول أن يغوص بعمق في أهمية أطفال الحرية بالنسبة للفلسطينين». وأشار البيان إلى أنّ «أسرة الفيلم تتفهم الغضب الذي اعترى كثيرين على ما يظنونه إساءة للأسرى وذويهم، وهو غضب وطني نتفهمه، ولكن كنا نتمنى أن تتم مشاهدة الفيلم قبل الحكم عليه نقلا أو اجتزاء».
جاء ذلك بعدما كان «أميرة» قد أثار جدلاً كبيراً بعد يوم من عرضه ضمن مهرجان «كرامة لأفلام حقوق الإنسان» في عمّان. رأى كثيرون أنّ الفيلم الذي تتشارك بطولته الأردنية صبا مبارك مع الفلسطيني علي سليمان والممثلة الشابة تارا عبود، «يدعم الرواية الإسرائيلية بشأن تهريب النطف» الذي يعدّ شكلاً من أشكال النضال ومقاومة الاحتلال.
بحسب مؤسسات معنية بشؤون الأسرى، يشكّك «أميرة» في نَسَبْ أبناء الأسرى داخل السجون الإسرائيلية الذين تم إنجابهم عبر نطف مهرّبة، الأمر الذي وصفه الفلسطينيون بـ «الخيال الهادف لتحقيق مكاسب فنية على حساب تضحيات الأسرى».
وقالت «هيئة شؤون الأسرى والمحررين» و«نادي الأسير الفلسطيني» و«الهيئة العليا لمتابعة شؤون الأسرى»، في بيان مشترك نقلته وكالة «وفا» الرسمية، أنّ رواية الفيلم جاءت متوائمة بشكل مباشرة «مع رواية الاحتلال، بتجنٍّ كامل على الحقيقة»، موضحةً أنّ «قضية النطف المُحرّرة، شكّلت على مدار السنوات الماضية أبرز الإنجازات التي تمكّن من خلالها الأسرى كسرر جدار السجن، وصناعة الأمل بالإرادة، وأصبحت محط اهتمام عالمي».
بدورها، أعربت لجنة الأسرى، التابعة لائتلاف القوى الوطنية والإسلامية في غزة، عن «استيائها الشديد» من أحداث الفيلم.
وقالت: «لم يعبّر عن الحالة والواقع الذي تعيشه الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة، وقد سرح كاتب السيناريو ومنتج الفيلم بخيالهما، لإخراجه على طريقتهما الخاصة، ولكن على حساب قضية الأسرى الفلسطينيين؛ ليكونوا ضحية تحت مقصلة الفن الجديد». كما رأت اللجنة أنّ في العمل «إساءة كبيرة لنضالات وتضحيات وإنجازات الأسرى الفلسطينيين خاصة أن هناك فتوى شرعية تجيز للأسير الإنجاب عبر النطف المهربة بإشراف ومتابعة ذوي الأسير والمراكز الطبية المتخصصة في فحص الحمض النووي».
هذا الجدل المستمرّ منذ أيّام استدعى ردود أفعال من قبل جهات فنية واجتماعية وسياسية. في هذا الإطار، طالبت حركتا «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، في بيانين منفصلين، الأردن بوقف عرض الشريط وسحبه من ترشيحات الأوسكار.
أما، وزارة الثقافة الفلسطينية، فرأت أنّ «أميرة» «يمسّ بوضوح بقضية مهمّة من قضايا شعبنا ويضرب روايتنا الوطنية والنضالية، ويسيء بطريقةٍ لا لبس فيها إلى تاريخ ونضالات الحركة الأسيرة الفلسطينية».
من ناحيته، قال، نقيب الفنانين الأردنيين، حسين الخطيب، لوكالة «الأناضول» إنّ فيلم «أميرة» تناول موضوعه بشكل «غير بريء». وتابع أنّ للفيلم «بعداً مهماً وحسّاساً، وماكينة العدو تعمل بشكل ممنهج، وقد تم تناول موضوعه بشكل غير بريء، بطريقة وضع السم في العسل».
بدورها، أدانت «لجنة فلسطين» في مجلس النواب الأردني الإساءة للأسرى في السجون الإسرائيلية من خلال فيلم «أميرة»، معتبرة أنّه «يغير الواقع الحقيقي». وفي بيان لرئيس اللجنة
محمد الظهراوي، طالب الأخير بمنع عرض الفيلم في دور السينما الأردنية، داعياً المؤسسات الإنتاجية إلى إنجاز أفلام تدعم حقوق الأسرى الفلسطينيين في نضالهم خلف القضبان، وألا تشوه الحقائق بحيث تخدم «المحتل الصهيوني».
في المقابل، أعلنت الهيئة الملكية الأردنية للأفلام أنّ «أميرة» شريط خيالي روائي وليس وثائقياً، واختيار أسلوب رواية القصة وسرد الأحداث فيه يعود إلى طاقم العمل.
علماً بأنّ «أميرة» الذي صوّر في الأردن في عام 2019، يتناول فتاة فلسطينية جاءت إلى الدنيا عن طريق التلقيح الصناعي من نطفة مهرّبة لوالدها المعتقل في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يجعلها تفخر دائماً باعتبارها ابنة مناضل ضد الصهاينة. لكن عند تطلع الأب لإنجاب طفل آخر بالطريقة نفسها، يكتشف الأطباء أنّه عقيم لتبدأ مأساة الفتاة في البحث عن حقيقة وجودها، لتكتشف أنّها ابنة ضابط صهيوني في الأسر.