تعالوا نسيء استخدام إرشادات ومعايير اليونسكو التي تحدد من خلالها مواقع التراث العالمي. تعالوا نرفض الفهم الغربي للتراث. تعالوا نرشح مخيم الدهيشة ليضاف إلى قائمة التراث العالمي الشهيرة. هذا هو ضمنياً ما تدعو إليه المعمارية الفلسطينية ساندي هلال (1974) والمعماري الإيطالي أليساندرو بيتي (1973) في كتابهما المشترك الذي صدر أواخر العام الماضي بالإنكليزية تحت عنوان «تراث اللاجئين» (منشورات آرت آند ثيوري). انطلاقاً من الكتاب، يقام معرض «تراث بلا دولة» حالياً في غاليري «موزاييك روومز» في لندن لغاية نهاية الشهر الحالي. ومخيم الدهيشة الذي يدعو المعماريان إلى ترشيحه أقيم عام 1949 بالقرب من بيت لحم، ويعد من أقدم مخيمات اللاجئين في العالم. ولا يخفى أن هذه الدعوة ليست إلا استفزازاً كاشفاً، يعرّي حقيقة أن التراث العالمي ليس عالمياً كما يزعم القائمون عليه، بل خاضع لسيطرة الدولة القومية وله جذوره الكولونيالية، فالمخيمات هي أماكن خارج الدولة القومية، وتبدو كما لو أنها خارج المكان والزمان، وبالتالي خارج أن تملك تراثاً.
ترى هلال وبيتي- مؤسّسا «دار: تفكيك كولونيالية أبحاث فن العمارة» أنّ المخيمات «أقيمت بنية الهدم، كتمثيل نموذجي للفشل السياسي، فمن المفترض ألا يكون لها تاريخ ولا مستقبل؛ من المفترض أن يتم نسيانها. يتم دائماً محو تاريخ مخيمات اللاجئين ورفضه من قبل الدول والمنظمات الإنسانية والوكالات الدولية وحتى من قبل مجتمعات اللاجئين نفسها. إذ إنّها تخشى أنّ أي اعتراف بالوضع الحالي في المخيم قد يقوّض حقهم في العودة إلى موطنهم الأصلي».
يضم المعرض تجهيزاً على شكل صندوق ضوئي كبير يعرض صوراً للفوتوغرافي الإيطالي لوكا كابوانو المتخصص في توثيق مواقع التراث العالمي لليونسكو، حيث تعرض الصور لجغرافية المخيم، ونسيجه الحضري والاجتماعي. وبحسب هلال وبيتي اللذين كلّفا كابوانو بالتصوير، فإن «الهدف هو توثيق الدهيشة كنصب حيّ لـ المؤقت الدائم».
يضم المعرض أيضاً سلسلة من كتب الصور توثق 44 قرية تعود إليها أصول سكان الدهيشة، تقع على سهول بارتفاعات متفاوتة، بعضها يبدو كما لو كان منظراً طبيعياً، وبضعها يبدو أمكنة خربة.
تحت مظلة المعرض أيضاً، تنتظم ورش عمل ومحاضرات وعروض أفلام تتناول تراث اللاجئين والتراث المقهور وانعدام الجنسية ومقاومة الاستعمار. من هذه جلسات الاستماع الموسيقية التي تقام في قاعة «المضافة»، ومن خلالها يقدم الفنان الفلسطيني مؤمن سويطات جزءاً من مشروعه «مجاز». على مدى سنوات، جمع سويطات أرشيفاً من أشرطة الكاسيت الفلسطينية النادرة والفينيل، تضم تسجيلات لحفلات زفاف وأغنيات ثورية، والموسيقى التي رافقت الانتفاضة الفلسطينية الأولى وأغنيات الثمانينات. ويتعاون هنا مع فنانين ودي دجاي عرب وعالميين بإعادة توزيع ودمج هذه الأغنيات.
يقسم سويطات جلسات الاستماع إلى «أصوات الثمانينيات 1» التي تدور حول الأغاني الثورية من الانتفاضة الأولى، و «أصوات الثمانينيات 2» التي تضم جاز فلسطينياً وفانك وسول، و«أغاني فلسطينية بدوية»، وأخيراً «موسيقى الأعراس الفلسطينية» من السبعينيات فصاعداً.
كما تُعرض ثلاثية الفنانة مروة أرسانيوس «من يخاف الأيديولوجيا؟»، حيث يعرض الجزء الأول من السلسلة (2017) مقابلات أجرتها الفنانة مع أعضاء «الحركة النسائية الكردية المستقلة» في كردستان العراق. أما الجزء الثاني، فيضم مقابلات مع مزارعات ونسويات إيكولوجيات من سوريا ولبنان وكولومبيا والمكسيك والهند وبولندا والدنمارك واليونان. والجزء الأخير (2020) يقف عند منطقة توليما، المعروفة بإنتاج البن في كولومبيا وعلاقتها بالشركات العابرة للحدود والحكومات والجماعات شبه العسكرية والسكان الإصليين.