قطع «المهرجان الوطني لمسرح التجريب» في مدنين (جنوب شرق تونس) مع التقاليد الثقافية العربية في تكريم الموتى والاحتفاء بهم وتخصيص نسخ تحمل أسماءهم بعد أن يكونوا عانوا الجحود والنكران. إذ حملت النسخة الـ 25 التي تتواصل لغاية 13 أيار (مايو) اسم مؤسسه المسرحي أنور الشعافي. أنور الشعافي الذي تمسّك بالابداع المسرحي رغم معاناة المرض، كان رائداً في مسرح التجريب منذ دراسته في المعهد العالي للفن المسرحي في تونس في ثمانينات القرن الماضي. أسس «جمعية مسرح التجريب» في مدنين عام 1990 وأنجز فيها أول أعماله قبل أن يؤسس «مهرجان مسرح التجريب» في مدنين الذي سبق تأسيسه «مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي» وراكم مهرجان مسرح التجريب في مدنين التجربة التي توجّت بتأسيس مركز الفنون الدرامية والركحية بمبادرة من الشعافي أيضاً. تبنتها وزارة الثقافة قبل أن يتولى ادارة المسرح الوطني (2012_2014). مدنين هذه المدينة النائمة على حدود ليبيا، ازدانت شوارعها بمعلقات تحمل صورة فنانها المسرحي أنور الشعافي في مشهد غير مألوف في البلاد العربية التي تقبر مبدعيها أحياء، خاصة في المدن الصغيرة. وقد كان التأثر واضحاً على ملامح الشعافي في القاعة التي اكتظّت بعشاق المسرح وبالمسرحيين الذين واكبوا مسيرة الشعافي الذي كان أول من قدّم مسرح «الميم والبانتوميم» في تونس. كما خاض تجربة فريدة في مسرحية استعمل فيها التواصل الافتراضي وهي مسرحية «ترى… ما رأيت» عن نص للشاعر كمال بوعجيلة.
في النسخة الخامسة والعشرين من مهرجان مسرح التجريب، يتابع الجمهور مجموعة من العروض وهي «كابوس أنشتاين» لأنور الشعافي، و«آخر مرة» لوفاء الطبوبي، و«عائشة 13» لسامي النصري، و«في مديح الموت» لعلي اليحياوي، و«18أكتوبر» لعبدالواحد المبروك، و«منطق الطير» لنوفل عزارة، و«ذاكرة» لسليم الصنهاجي، ومسرحيتين في مسرح الشارع هما «هيدقة» لضحى الحجام و«قافلة تسير» للكيلاني زقروبة.
تبدو مدينة مدنين مزهوة بالفن الرابع وبفنانها أنور الشعّافي الذي أسّس لذائقة جديدة في منطقة الجنوب الشرقي، خصوصاً طيلة الأعوام الثلاثين وهو المسرحي الوحيد الذي انطلق من مدينة على أطراف الصحراء، ليعبّد الطريق إلى المسرح الوطني الذي أداره باقتدار.