مرّة أخرى تشهد تونس جدلاً حول التطبيع مع الكيان الصهيوني، لكن هذه المرّة من بوّابة الجامعة التونسية والبحث العلمي، إذ سيشارك أربعة جامعيين تونسيين في ندوة ستحتضنها باريس. الجامعيون الأربعة من «جامعة منوبة»، وهم: حبيب كزدغلي (العميد السابق لكلية الآداب والفنون والأنسانيات بمنوبة)، وعفاف مبارك، وفاتن بوشارة، وعبد الكريم العلاقي. هؤلاء سيشاركون جنباً إلى جنب مع باحثين من جامعات إسرائيلية، وهو ما رأى فيه عدد كبير من الناشطين تطبيعاً مع الكيان الصهيوني من الباب البحث العلمي.أولى ردود الفعل كانت من «جامعة منوبة» التي اعتبرت أنّ مشاركة أساتذة من الجامعة في مؤتمر كهذا هو «مسألة شخصية»، يتحمّل المشاركون مسؤوليتهم فيها. لكنّها اعتبرت أيضاً أنّ «وراء ذلك سعياً ماكراً إلى التّطبيع».
ودعت في بيانها الذي اطلعت عليه «الأخبار» مَن له أجندة خاصّة «ألاّ يستعمل في خدمتها اسم جامعة منّوبة، وهو يعلم أنّها الجامعة الوطنيّة العريقة التي تخلّت منذ سنتين عن احتضان ملتقى عالمي ضخم، إذ حاولت الهيئة الدولية الأجنبية الساهرة على تنظيمه، فرض مشاركة أكاديميّين من جامعات إسرائيليّة فيه». وجدّدت الجامعة رفضها «القطعيّ لكلّ محاولات التطبيع الأكاديمي من منطلق مناصرتها للأكاديميين الفلسطينيين في ما يتعرّضون له من تنكيل وتعسّف، وعن التزامها المطلق بمبادئ الدّفاع عن حقوق الإنسان على نحو حقيقي وكلي، في أنحاء العالم كافة، وعلى رأسها حقوق الإنسان الفلسطيني المغتصبة في وطنه المحتلّ».
من جهته، أعلن المكتب التنفيذي لـ «الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي» (الاتحاد العام التونسي للشغل) رفضه «إدراج أسماء باحثين وباحثات من تونس مقرونة بإسم مؤسساتهم الجامعية التونسية إلى جانب أسماء باحثين منتمين إلى جامعات من دولة الاحتلال»، مذكّراً بأنّ «الحملة التونسية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل» تؤكد «رفض إقامة أيّة علاقات أكاديمية من أي نوع، بين مؤسّساتنا الجامعية ومؤسّسات إسرائيلية جامعات كانت أو كليات أو هياكل بحث، ويدعو الجامعيات والجامعيين التونسيين إلى الالتزام بهذا المبدأ».
من ناحيته، حاول الحبيب القزدغلي تبرير موقفه. المتخصّص في تاريخ الأقليات وخاصة اليهود والذي رافقته تهمة التطبيع أكثر من مرّة بسبب أنشطته كهذه، ردّ على ما اعتبره «حملة»، بالتأكيد أنّ هذه الندوة «علمية» ولا شأن لها بالتطبيع، إذ يشارك فيها أكاديميون مختصون في تاريخ اليهود من جامعات مختلفة وتنظمها جمعية فرنسية أسسها يهود تونسيون.
وقال في بيان «توضيحي» أنّ هذا الملتقى «سيتناول من منظور علمي آكاديمي بحت مسألة العلاقة بين الدين والقانون لدى اليهود التونسيين والذي سيشارك فيه كالعادة وقد استجاب الى دعوة المنظمين عبر وسائل الاعلام الى المشاركة فيه من عدد من الباحثين من مختلف بلدان العالم وذلك بشكل فردي كما يجري في كل المؤتمرات الدولية، ومن دون تمثيل لأي بلد أو منظمة أو جامعة أو جهة كانت». واعتبر أنّ مشاركة باحثين من جامعات أوروبية وأميركية من المختصين في تاريخ اليهود ليس جديداً، وأضاف: «في ما يخص موضوع التطبيع من عدمه مع دولة اسرائيل التي لم أتخلف في أي لحظة في الماضي وفي الحاضر عن تنديدي بها كمحتل للأراضي الفلسطينية وتنكيلها بالشعب الفلسطيني الشقيق وعن مساندتي الكاملة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، فإنّي أعتبر التطبيع قضية تتعلق بالدول لا بالأشخاص ومن جهتي فانه لم يسبق لي الدعوة للتطبيع أو تبريره باي شكل من الأشكال، ولذا فإنّي أعتبر أنّه لا مجال لاستغلال هذه الندوة لشن حملة مفتعلة لأسباب سياسوية مشبوهة».
يذكر أنّ القزدغلي ناشط سياسي في حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي، وهو الحزب الشيوعي التونسي سابقاً.