مسرحية «شَعلة» أحدث أعمال المسرحية أمينة الدشراوي، أثارت الجدل في تونس بعد إثارتها ظاهرة التحرّش الجنسي الذي تتعرض له الطالبات. الدشراوي المقيمة في الحمامات خريجة المعهد العالي للفن المسرحي في تونس، اختارت الذهاب إلى مدينة تطاوين أقصى الجنوب التونسي على الحدود الليبية التونسية لإنجاز هذا العمل وفق تصوّر متكامل للمسرح.--
* لماذا اختيار هذا الموضوع المثير؟
ــــ لا تزال المرأة في مجتمعاتنا العربية اليوم تعاني شتى أنواع التمييز، فهي تتعرض لأشكال المضايقة اليومية ليس فقط بسبب التفرقة الجندرية ولكن أيضاً من خلال ما تقره «التقاطعية النسوية» كنظرية اجتماعية نسوية صاغتها الباحثة النسوية الأميركية كيمبرلي كرينشو منذ سنة 1989 من عنف مسلط على النساء بسبب العرق والطبقة والهوية. قد تكون المرأة التونسية قد حصلت على بعض المكاسب التي تضمن حقها في العيش الكريم، إلاّ أنّ المنظومة القانونية التونسية منظومة متشظية لم تنجح في تغيير العقلية السائدة في ظل هذا المجتمع الأبوي الذكوري المحافظ كجزء لا يتجزأ من العالم العربي.
من جهة أخرى، أعتقد أنّ أخطر أنواع المضايقة والعنف الذكوري هي تلك التي تعيشها الطالبات داخل أسوار الحرم الجامعي وما يحمله من قداسة ومن أبعاد تربوية كشكل من أشكال العنف وتجليات النظام الذكوري الأبوي. على الرغم من وجود التحرش الجنسي كظاهرة يومية في عديد السياقات، فإنه يؤثر بشكل خاص على البيئات التي توجد فيها علاقة سلطوية كالمؤسسات الجامعية لأنه يتحول على نوع من الابتزاز القذر واستغلال النفوذ وانتهاك الكرامة. هذه الممارسات الدنيئة يجب على المسرح مجابهتها وما مسرحية «شعلة» إلاّ صرخة فزع في شكل مسرحية فنية جمالية نسلط من خلالها الضوء على المسكوت عنه ونكشف من خلالها المستور في المؤسسات الجامعية.

* هل تعتقدين أنّ التحرش والفساد الجامعي أصبحا قضية رأي عام؟
ــــ يعتبـر التحـرش الجنسـي فـي الوسـط الجامعـي واقعاً معقـّداً يجـب التنديـد بـه لصعوبـة إثباتـه بالنسـبة للضحايـا ومواجهتـه، خصوصاً التصـرف ازاءه. فالضحية عادةً تتستر على هذه الأفعال وتخاف كسر حاجز الصمت بينما يتمتع المتحرش بالحماية الأكاديمية والإدارية والنخبوية ويواصل ممارساته التي تؤكد عـدم احتـرام الإطـار المهنـي والأخلاقـي في العلاقة التعلمية كأني بهذه العلاقة تتوقف عنــد نقــل المعارف بدلاً من إرساء الوعي بضرورة دعـم المتعلـم والاحاطـة بـه ومسـاعدته علـى تطوير آفاقه الفكـرية والمهنـية والإنسـانية فـي منـاخ يتسـم بالثقـة والعدالة ويحتــرم كرامــة الطالب.
حسب رأيي المتواضع لا بدّ من مساءلة علاقة الهيمنة والتبعية وإسـاءة اسـتخدام السـلطة في هذه العلاقة لدرء ما يمكن أن تؤدي إليه من خطــر هشاشـة وضعيـة الطالبـات والطلبة وما من شأنه أن يخلفه من اضرار نفسية واجتماعية ومادية تؤثر مباشرة على مستقبلهم، فالاستهانة بأعمــال العنــف والتحــرش الجنســي فــي الوســط الجامعــي أو إنكار حقيقة وجودها في حد ذاته يعدّ من أخطر أشكال الفساد.

* كيف ترين المسرح التونسي اليوم؟
يعاني الـمسرح التونسي اليوم ـــ على مكانته الفنية المتميزة في العالم العربي-من أزمات عديدة أولها محدودية وسائل الإنتاج والارتباط الحتمي بمنح دعم وزارة الشؤون الثقافية مقارنة بزخم شركات المسرح الاحترافية، الجمعيات الهاوية ومراكز الفنون الدرامية والمسرحية المعممة في كافة الولايات في الجمهورية التونسية. فالأزمة الاقتصادية تحول بين المبدع ورهاناته وتجعل آفاق الأعمال الفنية ضبابية ومحدودة.
ثانيا، أعتقد أنّ المسرح التونسي رغم عراقته لا يزال بعيداً عن الجمهور العريض ويتجه أساساً إلى النخبة، وهو ما يخلق هوة بين المسرحي والمتفرج. نحن نتحدث عن عصر ما بعد الحداثة وما بعد الدراما و لم نوفق بعد في حلّ أزمة الجمهور في عصر باتت فيه الصورة، المعلومة السريعة الجاهزة وروبوتات الذكاء الاصطناعي هي الأساس. فالسؤال الأهم: كيف يمكن أن نطوّر من مسرحنا التونسي والعربي لنقدّم مادة فرجوية حية ترتقي بالذائقة الفنية الجماعية من دون السقوط في الابتذال والمسرح التجاري الرخيص الذي يلفظه الرّكح و لا تتناقله الأجيال.