خلال تصوير فيلم «ميّل يا غزيّل» عام 2016 في منطقة القبيات، تعرّفت المخرجة والمديرة الفنية لمهرجان «ريف» إليان الراهب إلى المنطقة وناسها وطبيعتها. كما كانت لها لقاءات خلال الأبحاث التي أجرتها من أجل إنجاز الفيلم مع رئيس «مجلس البيئة» أنطوان ضاهر الذي يُعنى بحماية الغابات والطبيعة. تخبرنا أنها عندما أرادت عرضه، لم يكن هناك مكان لذلك في المنطقة، فتحوّل مطعم هيكل، الشخصية الرئيسية في فيلمها، إلى صالة سينما مرتجلة، دُعي إليها أبناء المنطقة. وبما أن التفاعل كان جميلاً على حدّ قول المخرجة، لاحظت أنّ هناك غياباً لصالات ونوادٍ سينمائية ليس فقط في القبيات، بل في عكّار كلها. بفضل الخبرة السابقة التي تملكها في إقامة المهرجانات مع جمعية «بيروت دي سي»، عرضت الفكرة على أنطوان ضاهر واقترحت عليه فكرة خلط السينما والبيئية في مهرجان واحد. منذ انطلاقته قبل خمس سنوات، كان للحدث هدف واضح هو إيصال الثقافة إلى مناطق نائية تعاني الكثير من المشكلات وتحتاج إلى أنشطة مماثلة، وخصوصاً عندما تجمع بين الفن والنقاشات حول البيئة وكيفية الحفاظ عليها.


«دنيا وأميرة حلب»


«غناء الأحياء» لسيسيل أليغرا يختتم المهرجان

أمور كثيرة تغيّرت منذ البدايات إلى الآن كما تقرّ الراهب. فالفكرة بدأت بتنظيم نشاط يمتد على يومين في عطلة نهاية الأسبوع. وفي كل عام، كانت تُضاف أنشطة أخرى إلى البرنامج حتى بلغ الحدث عامه الخامس مع أنشطة أكثر في الطبيعة، لمحبي الهروب من زحمة المدينة والاطلاع على مواضيع تخص البيئة. صار برنامج المهرجان أكثر تنوعاً من أفلام وعروض موسيقية وأسواق منتوجات محلية ومحاضرات. في كل عام، يطغى موضوع بيئي مختلف على المحاضرات والأفلام المقترحة. أما الموضوع الذي اختاره المنظمون للدورة الحالية فهو الجيولوجيا، وخصوصاً أنّ المنطقة تقع على فالق اليمونة. لذا، يتضمّن برنامجه أنشطة متعلّقة بهذا العلم، إضافة إلى المحاضرات البيئية التي باتت ترافق المهرجان سنوياً. موضوع التحولات في عكار يقع في صلب المهرجان وكذلك سبل التنمية والزراعة. على مدى خمسة أيام من العروض السينمائية، سيُتاح لرواد المهرجان أيضاً الاستماع إلى محاضرات، والمشاركة في نزهات بيئية، وزيارة سوق المنتجات والأطعمة المحلية، وحضور عرض أزياء لملابس مصنوعة من أقمشة مستعملة خضعت لإعادة التدوير من تصميم ريتا كوتور.
تجاوب المنظمون ــ بحسب الراهب ــــ لحاجات المنطقة من الناحية الثقافية وحرصوا خصوصاً على انتقاء المواضيع الراهنة المهمّة الملحّ طرحها. وتعدّ السينما من أبرز الوسائل المتاحة لجذب انتباه الناس نحو قضايا راهنة في مجال البيئة، وخصوصاً إن كانت الأفلام المختارة تتمحور حولها.
يجب القول إنّ المنظمين يولون أهميةً كبرى لجهة تشجيع الناس على المشاركة في الأنشطة عبر تسهيلات أبرزها تأمين نقليات للذين يصعب عليهم التنقل إلى أماكن الحدث من قراهم النائية. في هذا الإطار، عرض فيلم تحريك مخصص للأطفال السوريين وآخر فلسطيني لسكان المخيمات. في السنوات الأخيرة، كان التفاعل لافتاً بين السكان والمهرجان. تشير الراهب إلى أنّ نحو ألف شخص ارتادوا الحدث يومياً في العام السابق، إشارة إلى تعطّش الناس إلى هذه المساحات في هذه المناطق التي قلّما تلقى الاهتمام، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بتنظيم أنشطة ثقافية. تتخطى تأثيرات هذا المهرجان المدة الزمنية المحدودة التي يُقام خلالها. بفضل هذه المبادرة، بات الانفتاح على السينما والثقافة أكبر في المنطقة، وأصبح لسكانها أنشطة وانفتاح على السينما التي انقطعت عنهم لسنوات، عبر ناد سينمائي استُحدث في القبيات خارج المهرجان وورش عمل يديرها اختصاصيون في المجال.

«الجبل» للفرنسي توماس سالفادور


«السدّ» لعلي شري

في تفاصيل البرنامج المقترح هذا العام، أنشطة بيئية ونزهات في الطبيعة نهاراً، إضافة إلى محاضرات تتمحور هذا العام حول التحولات المناخية. كما سيتمكن الجمهور من حضور الأفلام في الفضاء العام ليلاً. في إطار العروض السينمائية المقترحة، يجري المهرجان كما في كل عام مسابقة تخص الأفلام المتوسطة الطول، ومن العناوين المقترحة «اعترافات عداء» لبشار خطار، و«هالوت» لمكسيم وإيفجينيا أربوجايف، و«العائدون» لبيتر د. فوس و«وهم الغنى» لإريكا غونزاليس راميريز وماثيو ليتارت، وستُسنَد جائزة إلى أفضل فيلم قصير. علماً أنّ كل هذه الأفلام ذات موضوع بيئي. وفي حين ستمنح لجنة مؤلفة من اختصاصيين في عالم السينما جائزتين لأفضل فيلمين قصيرين، اللافت هذا العام الاعتماد على مجموعة مراهقين أٌطلق عليهم اسم «سفراء ريف الشباب» سيمنحون هم جائزة أفضل فيلم متوسط الطول بإشراف أفراد ناشطين في «ريف».
تعرض أفلام عربية ودولية للمرة الأولى في لبنان يُلائم كلّها موضوع الدورة الحالية


بعيداً من المسابقة، تعرض أفلام عربية ودولية للمرة الأولى في لبنان تلائم كلها موضوع الدورة الحالية. وقد جالت هذه الإنتاجات في مهرجانات عالمية عدّة كما حاز بعضها جوائز. أول فيلم يقترحه المهرجان هو تحريكي بعنوان «دنيا وأميرة حلب» (2022)، بطلته فتاة في السادسة من العمر، تغادر مدينة حلب بحثاً عن عالم جديد، بمساعدة أميرة حلب وبعض بذور حبة البركة. وللأولاد حصتهم في المهرجان، إذ يُعرض كذلك فيلم «ليني وأرواح الغابة» لديتر شومان. من العناوين المثيرة للاهتمام «إي أو» لجيرزي سكوليموفسكي الذي يعرفنا على أوروبا الحديثة من خلال حمار يصادف في رحلته أشخاصاً مختلفين. يعرض المنظمون في القبيات كذلك فيلم اللبناني «السدّ» لعلي شري الذي عُرض عام 2022 ضمن فئة «أسبوعي المخرجين» في «مهرجان كان السينمائي» و«الجبل» للفرنسي توماس سالفادور الذي كان ضمن الفئة نفسها أيضاً، على أن تُختتم العروض في القبيات بوثائقي «هذا الوطن المسروق منّي» لمارك فيزه الذي يأخذنا إلى الإكوادور وإلى نضال السكان الأصليّين في مواجهة استغلال أراضيهم.

تستمرّ العروض عبر منصة «أفلامنا» حتى نهاية شهر أيلول


بالانتقال إلى الهرمل، تختلف البرمجة نظراً إلى اختلاف الطبيعة والحاجات والبيئة في كل من المنطقتين، باستثناء بعض الأفلام التي أُدرجت مجدداً. نرى خصوصاً عروضاً لنتائج ورش عمل، منها أفلام أنجزت خلال ورشة عمل «فيلم الدقيقة الواحدة- رسائل بين النساء» من تنظيم المخرجة المصرية أمل رمسيس وأفلام ورشة عمل خاصة بالتحريك. كما يُعاد عرض «فيلم دنيا وأميرة حلب»، إضافة إلى عناوين أخرى ومنها «غناء الأحياء» لسيسيل أليغرا الذي يختتم المهرجان. علماً أنّ العروض تستمر عبر الإنترنت ومنصة «أفلامنا» حتى نهاية شهر أيلول.

مهرجان «ريف»: حتى 4 أيلول (سبتمبر) ــ القبيات ومن 8 حتى 10 أيلول في الهرمل ــــ جميع الأنشطة مجانية. لمعرفة المزيد من التفاصيل حول الأنشطة والتسجيل، الاتصال بالرقم التالي: 81/073756