في تركيبة كلّ من عاصي ومنصور الرحباني، هناك تناقض صريح. عاصي كان قلباً يتحرك. منصور كان عقلاً يتحرك. عندما كان يتحدّث عاصي إلى الإعلام، لم يكن يفكّر كثيراً في ما يقول. يترك مشاعره تعلن ما تريد، وكلماته لا يختارها بدقة وتأنٍ. المهم لديه هو الفكرة يعبّر عنها ببساطة تامة لا تخضع للتأليف والتنميق. منصور كان، وهو يجيب عن الأسئلة، يمرّرها على مصفاة جاهزة عنده، هي تحدد ما يُقال وما لا يُقال، وكانت جملتُه مركّبة بروية وهدوء. حتى في المواضيع الحسّاسة حول الماوراء مثلاً، كان عاصي عفوياً في نقل الفكرة. أما منصور، فكان ينتقي ويحلّل. عاصي كان ثاقباً على طبيعة تلقائية، يمشي إلى هدفه كمن يمشي في مغارة معتمة معتمداً على ضوء قلبه الطيّب الذي قلّما يخطئ الخطوات. منصور كان ثاقباً، إنما يتبصّر الخطوات واحدة واحدة ولا يؤمن إلّا بانكشاف الطريق خشية التعثّر. عاصي لا يخشى التعثّر ويراه حافزاً إلى الصواب. منصور يُذْعَر من التعثّر. عاصي إذا امتلك سرّاً عن شيء أو عن شخص، فيصبحُ منطبقاً عليه المَثَل «كاد المريب أن يقول خذوني». منصور يمتلك سرّاً فيغدو السرّ في بئر بلا قرار، ولا يمكن انتزاعه منه حتى بالكمّاشة على الذقن!يُقال إن معاوية بن أبي سفيان كان يجلس مرة إلى عمرو بن العاص، والاثنان من دواهي العرب، فقال معاوية: «واللهِ ما دخلتُ مُعضلةً قَطّ إلا وخرجتُ منها». فأجابه ابن العاص: «لكنْ أنا فوالله ما دخلتُ مُعضلةً قَطّ» وسكَتَ، فأدرك معاوية أن ابن العاص بَزَّهُ في المقارنة. عاصي يدخل التجارب ولو كانت مُكلفة. منصور يتحاشى التجارب ويعمل في منطقة الأمان وليس مستعدّاً للوقوع ثم القيام، فالوَقعة عنده مُكلِفة كائنة ما كانت. وإذا أقدم على أمر، درَسَه ولا يعطي قراره إلا في نهاية الدرس. عاصي كان حين ينشغل في مسرحية، ينصرف بكُلّه إليها ناسياً من وما حوله. منصور في حالة العمل على مسرحية كان يفكّر في كل شيء كالمعتاد، البيت والعائلة والأصدقاء، ومن ضمن هذا كلّه المسرحية، وكان «يُلَحّق» على الجميع من دون أيّ انتقاص. لكن الضحكة عند الاثنين واحدة، مع تقطيعها بأخذ النفَس عند عاصي. ومع الاثنين تبدو الضحكة كأنها مخبّأة في الصدور، وتطلع على حياء كأنها نوع من السخرية على الشيء المضحوك منه. وفي أواخر سنوات منصور، باتَ شكلُه قريباً جدّاً من عاصي: يجلس إلى مكتبه في البيت، رأسه غارق بين كتفيه ولا يرفعه إلا عند الحاجة. كان يُذكّرني بجلوس عاصي حين ذهبنا إليه مرّة، أواخر صيف 1984، ودخلنا فلم يلتفت، ربما لشرود ذهنه. وحين رفع منصور صوته ليَسمَعَه عاصي جيداً، قائلاً له: «عرفتو يا عاصي؟» وكان لي أكثر من سنة غائباً عنه لمرضِه المتقطّع، فرفع عاصي رأسه الغارق بين كتفيه، والتفت إلينا وابتسم ابتسامة ضئيلة كجسده تلك الأيام مجيباً: «عبد الغني»، ويا فرحةً لا أعطيها لأحد في عمري تلك اللحظة التي تَذكَّرَني فيها صديقي عاصي بعدما كانت الوجوه قد بدأت تضيعُ من ذاكرته. وإذا كان لي أن أعطي رأيي بعاصي ومنصور في ذلك اللقاء، فأقول: واحدٌ مريض والثاني مريضٌ به، وواحدٌ يودّع الدنيا وواحد يشعر أنه قد يودّع معه.
أُكمِل في الطباع: عاصي كان يلحّن في البيت، في السيارة، وهو سهران مع الناس، في الاجتماعات، في السرير ويضبط إيقاع الأغنية بالدّق على صدره. ومنصور لا يلّحن إلا إذا جلس إلى البيانو وبيده القلم وورقة النوتة، يكتب النوتة ثم يعزفها خشية أن يضرب إصبعاً من أصابع البيانو بالخطأ، فيتذبذب حبل النوتات التي يكتُبها. عاصي تأتيه كلمات الأغاني بَغتَةً، فجُملة خلف جُملة يراكمها ويحتفظ بدهشة الطفل أمامها. ومنصور يجلس إلى طاولته ويستدعي الكلمات، فتأتيه كما يشتهي ويدوّنها.
عاصي قلبُ التجربة الرحبانية كلها ومنصور عقلها


عاصي كريمٌ ويشعر أن الله سيرسلُ إليه في كل غدٍ جديد ما قَسَم لهُ. ومنصور كريمٌ ويعرف أن «الأيام عكروتة» (والتعبير لهُ)، وبدلاً من أن يتركها تنتظره على الكوع، ينتظرها هو على الكوع. عاصي كان لا يعطي انتباهاً تفصيلياً لأبنائه، يتركهم يقَدّرون ما يريدون وما يفعلون، لأن شُغْله الشاغل وهدفَه في الحياة كان صوت فيروز. منصور كان يتدخل في الطالع والنازل من أفعال أبنائه. عاصي، مرّة، كما روى زياد، ناقشَه في توجّهاته الفنية واصطدم معه قائلاً له «بدّك تضلّ شرشوح اصطِفِل» وكاد زياد يقدّم مسرحية بهذا العنوان، أكرر، كما قال. إنما بعد سنوات، بات يُعلن «زياد بيعَلّي راسي كتير» حرفيّاً. منصور كانت كلمته مسموعة في بيته، وكان أبناؤه يحسبون ألف حساب لغضبه و«بَهْدَلاته»، وحين كبر الشباب، أصبحوا أصدقاءه ومعاونيه فنياً وشخصيّاً: مروان، كبير بيت منصور، يحفظ نفسه من أي خطأ معه، غَدي المسكون بحِس العائلة يلبي طلباته «ع العمياني». أمّا أُسامة، فكان «يشاكس» أكثر الأوقات، وما زال حتى اليوم!
عاصي ومنصور محاوِران من صنف غريب. عاصي يبدأ الحوار في «القعدات» مع أصدقائه أو زوّاره بالكلام عن أي قضية، كبيرة أم صغيرة، من الآخِر. يعطيك النتيجة التي يكوّنها عن القضية فوراً ثم يذهب إلى ما يسمّيه أصدقاؤه «المشارَعة»، أي الحكي في القضية المطروحة بأسلوب يتلذّذ بمبدأ الحكي. كما الفن للفن، هناك الحكي للحكي، كمن يملأ وقتاً، أو يختبر صبر الآخَر على الصمود. منصور بالعكس. يبدأ بالمقدّمة التمهيدية ثم ينتقل من تفصيل إلى آخر في القضية على نحو تشعر معه أنك أمام رجل وُجِد بالمصادَفة فناناً، والأجدى لو كان فيلسوفاً مُرَبّياً، ويهمّه في كلامه أن يستقصي رأيك في ما يقول، أو على الأقل، أن يعرف عبر ملامحك كيف تنظر إلى طبيعة حواره معك. عاصي لم يكن يعنيه رأيك في ما يقول. لا ينتبه إلى ذلك، ولكنْ كان يحب أن تُصغي إليه. أمّا منصور، فكان يَهُمّه تقديرك لما يقول. عاصي كان يخوض الحوار معك، والعبارة عنده تستدرج العبارة. منصور يخوض الجدال معتمداً على ما حضّرهُ سلفاً. يوضح منصور: «أنا لستُ سريع البديهة، وأحياناً أُفاجأ بأمر فأصمت قليلاً لأتبيّن ماذا يكون الجواب المقنع». عاصي يبادر إلى الرد على المستفسِرين من جُلّاسِه بـ «الاتكال على الفطرة والثقة بالآخرين». منصور لا يعطي ثقته إلّا بعد تجارب. والاثنان يصلان إلى غايتهما من الكلام، عاصي بما لديه من القوّة في المنطق ولو بالقفز فوق الترابُط بين الأفكار، ومنصور بما لديه من التنظيم. سعيد عقل يقول: «بيكون في كبّاية قدامك وقدام عاصي، بتقلّو هيدي كبّاية»، بيجاوبك دغري «لأ … هيدي كبّاية»». ويكمل عقل «منصور إذا قلتلو هيدي كبّاية، بيضل خمس دقايق يتطلّع فيها ليجاوب». والاثنان كانا لا يَلفظان اسمَك في حديثك معهما إلّا حين يريدان أن تسجّل في رأسك الجُملة أو الفكرة التي سيقولانها لك في تلك اللحظة.
عاصي كان شديد الإعجاب بسعيد عقل، وأفكاره، ودعْوَته إلى اعتماد اللهجة المحكية في الكتابة. مَرّة، حين كان هو ومنصور يسجّلان قصيدة «تلكَ لبنان» التي كتبها عقل، وفي الاستراحة، عادا إلى الجدل حول «لُغة» سعيد عقل، فمدَح عاصي شاعرية عقل المحكية، فأجابه منصور «هاي نحنا عم نسجلّو قصيدة رائعة بالفصحى. ليش بعدو بيكتب أجمل قصايدو بالفصحى؟» فضاق عاصي ذَرْعاً وأجاب «مجنون»!
عاصي، مراراً كان ينسى الجُمَل اللحنية التي تدهمُه في ساعةٍ سمّاعة كونه يعتمد على ذاكرته التي إذا فتَحتَها، لا تعرف شيئاً من شيء فيها، وتشبه «صندوق الفرجة» كما نقول في أمثالنا الشعبية لما تحويه من أشياء وأشكال وألوان تحارُ أيّها تختار لجاذبيّتها. منصور لا يستند إلى ذاكرته في التلحين، فما إن تجيء الجملة اللحنية التي يُقَدّر أنها جديدة «وإلها طعمة» كما يقول، حتى يدوّنها، لكن المشكلة عنده إذا جاءت الجُملة أثناء قيادته السيارة مثلاً، فيضطر إلى التوقّف، وكتابة النوتة، وهو كما نعرف يتحاشى ذلك إلا في حالة الضرورة، كأنْ تكون الجُملة قوية وفاتنة الأصداء الموسيقية، لأنه يتخيّلها فوراً مُسَجّلة، ويُرَكّب لها كلاماً غنائياً.
هل في التوزيع الموسيقي «طَبْع»؟ بَلى، لكنه في الأصل عِلْمٌ. وعِلْمٌ أشبه بالهندسة. عاصي ذو طَبْع مسحور بالإيقاعات الشرقية المعروفة. في «يا رايح ع كفرحالا» مثلاً، هناك استخدام للطبلة والرقّ وتركيز عليهما كأنهما قلب اللحن. في «قصقص ورق» أيضاً إفساح في المجال أمام هاتين الآلتَين لتُعبّرا عن لُبّ الأغنية. «مُرّ بي يا واعداً وعَدا» قيل لي إنّ ملحنها محمد عبد الوهاب ذُهِل من الاستخدامات الإيقاعية التي لم يظنّ أبداً أن لحنَه للقصيدة يتَحمّلُها، بينما «طَبْعُ» منصور مسحور بالإيقاعات الغربية. في توزيع «زهرة المدائن»، صدَح بآلات النفخ والإيقاع . ذهبَت معاني القصيدة بتوزيعها الموسيقي إلى حيث أرادت هي، بتكوينها التفصيلي، لا إلى حيث يبغي الموزع. «بيتي أنا بيتك» تحوّلت نداءً سماوياً في توزيعها الموسيقي المُوحي. «غالي الذهب» أُعطيَت في التوزيع طابع الترتيل البيزنطي مع أنها أغنية حبّ. أنا بما لديّ من فهْم لأسلوبهما أتحدّث. عاصي في توزيعه الموسيقي يجنح إلى الفرح والبهجة وتنصيع المادة الموسيقية وترصيعِها بما يناسب مزاجه. منصور يجنح إلى التأمل، وسكب معنى المعنى في التوزيع، فالمعنى الواضح شيء، ومعنى المعنى إضافة خلّاقة. هذه العلامات على إيقاعات التوزيع الموسيقي الرحباني، أمرٌ منطلِق من «إيقاع» طبْع كلّ من عاصي ومنصور أم يرجع إلى شيء آخر؟ أنا أردّه إلى إيقاع الطبْع …
في العِشرةِ والمزاح، كان عاصي يمزح ويتقبّل المزاح، ولو ثقيلاً، لكن ضمن الأصول. لا يمزح مع كل الناس الذين يعرفونه، بل مع الخاصة الذين لهم مَونة عليه، وله مَونة عليهم، وكان حاضر النكتة والتعليق الذكي الساخر. منصور بدوره كان حلو المعشر، يتمتع بصداقات كثيرة، ويتقن الواجبات الاجتماعية على أصولها مع أنه يتأفف منها. و«ينكّت» على حاله مرات إذا لم يجد مناسَبة للتنكيت على أحد. عاصي ومنصور كانا ينزعجان من زعَل الأصدقاء. لا يفرّطان بصديق يحبانه. عاصي يجد دائماً طريقة لإعادة وصْل ما انقطع مع أحد، فإذا أصرّ صديقه على الزعل، يتركه على زعَله و«خلَص». منصور مرّة كنتُ «آخِذاً على خاطري» منه، اتصل بعد أيام قائلاً: «عبد الغني إنت زعلان، وأنا بحبك، والرّضا أحلى من الزّعَل». أجَبتُه، بعد شتيمة عرمرمية: «بكرا رايح إشرب قهوة عندك». وكانا يكرهان ثُقَلاء الظلّ ويعدّان الوقت الذي يضطر الواحد ليُمضيه معهم، هدراً. حادثة طريفة قيلت لي ولم أتأكد من صدقها لأنها تُروى أيضاً عن آخرين: دُعي عاصي ومنصور إلى سهرة مع أصدقاء، في منزل أحدهم. وصَلا، ونزلا من السيارة، ودخلا الحديقة المؤدية إلى باب المنزل. هَاش عليهما كلب الحراسة، فأسرعا باتجاه الباب فوجدا صاحب المنزل يلاقيهما مُطَمئناً: «ما تخافوا... ما تخافوا .. الكلب مِخصي»، فحبكت النكتة مع عاصي وقال له: «مِخصي؟ نحنا خايفين يعضنا، مش خايفين...».
ومسألة الكرَم والبخل عند الفنانين مؤشّر إلى مدى استمرار حضورهم ونشاطهم، فالبخيل لا بدّ من أن يصطدم ببخلِه في ما يختار من الأعمال التي قد يُفشّلها البخل، ونعرف فنانين على هذا الطراز وماذا جرى لهم، والكريم لا بدّ من أن يقدّم انطباعاً عن الوفرة المعنوية في حركته، ووفرة المعنى تجلب وفرة المال، ونعرف فنانين من هذا الطراز ونعرف كيف عاشوا. وعاصي ومنصور الرحباني تداخلت فيهما الصفات المكتسبة كلٌّ مِن الآخَر، الكرَم غير المُحتَسِب والكرَم المُحتَسِب حتى ضُرِب فيهما المثَلُ الذي يُضرَب بين العاطفة والإدراك. ذات يوم كنتُ أتسامر مع منصور في الحديث عن ثروات نجوم الغناء اليوم، وما هي طريقتهم في فهم المال، والتعامل معه، وبه. فسألني عن نجمين. قال لي «فلان شو وضعه؟» أجبت: «المصاري فوقه وتحته، وأغلب مصريّاته بيروح تقديمات لناس من عائلته، واللي حواليه. بيقولوا عامل معاشات لكتير من أهل ضيعته». فرفع منصور حاجبيه، وشَقَل عينيه إعجاباً. ثم سألني «وفلان؟»، فأجبته «أبخل من دِيَكة مَرْو على تعبير الجاحظ»، فزَمّ منصور شفتيه على أنفه كأنه يشمّ رائحة كريهة وقال بيت المتنبي «ومن ينفق الساعات في جمعِ مالِهِ.. مخافة فقرٍ.. فالذي فعَلَ الفقرُ».
على أن التساوي والتوازن بينهما لم يكن في شيء قَدْرَ وجوده في الأكل. في «المحطة» يقولان على لسان إحدى الشخصيّات «أجمل شي منظر الأكل». فعلاً أجمل شيء عندهما كان منظر الأكل في «الغدَوَات والعَشَوات» التي كانا يعقدانها مع الأصحاب. عاصي أكول إلى درجة أنه كلما كان يزيد وزنه يُمضي الوقت يتحسّس كرشه «كتير هيك». منصور أكول حتى كبَت به بِطْنته وتوقف عن المشي من دون عكاكيز. كنتُ أصِلُ أحياناً إلى زيارته فينادي زوجته «تيريز، جيبي شوكولا لعبد الغني»، فأدرك فوراً أنه ممنوع عن الشوكولا وقد اعتبرَني ذريعة ليتضيّف هو معي. قال مرة لي: «كل النهار ما بيخلّوني آكُل شي متل الخَلْق. بقوم الساعة تنين بالليل، كلّن نايمين، بفتح البراد وبقعد بقلبو. وعلى أكْل... حتى إشبع عن النهار كلّو». عاصي مثلاً في حفلة الأولمبيا في باريس، «طلَب أكل وكاتو ..ورجع طلَب أكل وكاتو حتى ما عاد يقدر يوقف ويحرك إيدو بقيادة الأوركسترا... بألف غصب انتهت الحفلة». نظرية «الأكل أجمل من متعة الجنس» قالها عاصي مرة لي «لأنو بالجنس مرة... مرتين... بالنهار ما بيعود عندك مَيْل لتاني يوم أو تالت أو حتى رابع يوم. بالأكل كل ساعتين فيك تاكل، كل الأيام».
تماماً كما قلت: عاصي قلب التجربة الرحبانية كلها ومنصور عقلها، لكنّ الواقع يقول إنهما مراراً كانا يتبادلان الأدوار بتخطيط: «أنا بقول هيك، وأنت بتقول هيك» أو «أنا بعمل كذا، وأنت بتعمل كذا» لكي يُحَيّرا مَن حولهما. وقد تولّد ذلك من التجربة ذاتها التي قد يظنها بعضنا مريحة وسالكة وآمنة ومطمئنة إلى كل شيء. أمّا الواقع، فيقول إنها عذابات التفكير وآلام المخاض وإيمان المندَفِع إلى جنونه بيديه وقدميه وعينيه، وفرَح الكَرَّام بالعنب الذي صنعَته قوّتُه وخيَالُه هو، يتحول إلى خمر يفرح قلوب العطاشى الجياع في أرواحهم.

* مقتطف من «كتاب» «أسرار الكُنوز بين الرحباني وفيروز ـــ رؤية نقدية»، صدر أخيراً عن «دار نلسن»، ويوقّعه المؤلف اليوم الأربعاء في «ملتقى خيرات الزين الثقافي» (قريطم ــ بيروت) بين الرابعة والسابعة مساء.