يؤدّي الفنّ دوراً مهمّاً في خدمة القضايا الإنسانية المحقّة، ويمثّل راهناً أداة احتجاج على ما ترتكبه إسرائيل في غزّة، مضيئاً على المأساة الفلسطينية والجرح الجماعيّ المفتوح وعلى وحشية الاحتلال والإبادة التي يقترفها على مرأى من العالم في مقابل روح الصمود والتصدّي. هكذا، يعكس الفنّ موقفاً جليّاً ضمن أدوات وآليّات النضال التعبيرية والتفاعلية في مقاربة أحداث الواقع ورؤيتها، ومندرجاً في إطار الوسائل الإبداعية التي تخاطب الرأي العام ووعي المتلقّي حول العالم.عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يُطلق فنانون كثيرون أعمالاً جديدة وأُخرى قديمة لكن راهنة، تحظى بتفاعل الجمهور فيما يتلقّفها الجمهور بعاطفة وحماسة. نشر مصمّم الغرافيكس والتشكيلي الفلسطيني رائد القطناني لوحات وملصقات معبّرة على صفحته الفايسبوكية، إحداها رسم لحذاء طفل من غزة يقْطُرُ منه الدم ممهوراً بتعليقه: «بأيّ ذنب؟». وبدا لافتاً ملصقه عن الصحافي الفلسطيني وائل الدحدوح (الذي اغتال الاحتلال قبل أيّام أفراداً من أسرته) الذي رسمه وهو يعانق الصبّار، معقّباً: «صبراً، لن ينتصر النابُ على بسمة طفلي» (كلمات الشاعر توفيق زياد). وهناك ملصق يعكس عزيمة الغزّاويين وكفاحهم وثباتهم، بعنوان «إنّا هنا باقون»، بالإضافة إلى آخر بعنوان «ليش تأخّرتوا علينا؟» المستوحى من عبارات توّجهت بها طفلة إلى المسعفين من تحت الركام...

«الطفولة في أكفانها» لخولة طفيلي (أكريليك ومواد مختلفة على قماش ــ 100 × 70 سنتم)

أمّا النحّات اللبناني شربل فارس، فنشر على صفحته الفايسبوكية صورة لعمل بعنوان «الفتى حنظلة»، وأقرنها بتعليق: «إشارات: انتظرنا طويلاً وننتظرُ، ننتظر... حتى يدير لنا حنظلة وجهه ويتحوّل الحجر في يدِهِ إلى كتابٍ أو أقلّه إلى رغيفِ خبزٍ». علماً أنّ «حنظلة» شخصية أيقونية ابتكرها رسام الكاريكاتور الفلسطيني الشهيد ناجي العلي. منحوتة فارس التي تحمل فيها الشخصية الشهيرة التي ابتكرها الكاريكاتوريست الفلسطيني الشهير، نُفّذت بمادّتَيْ الرِّزين والفايبرغلاس وبلون برونزي معتّق.
أما التشكيلية خولة طفيلي، فأفرجت عبر المنصة نفسها عن لوحة جديدة اختارت لها اسم «الطفولة في أكفانها» (أكريليك ومواد مختلفة على قماش ــ 100 × 70 سنتم)، تضمّ علَم فلسطين مع عبارة Free Palestine (الحرّية لفلسطين).
في السياق نفسه، نشرت التشكيلية والأكاديمية اللبنانية هناء عبد الخالق على الموقع الأزرق لوحتها الجديدة التي تعكس الإنزال المظلّي في عملية «طوفان الأقصى»، ضمن مساحات لونية تناغمية اشتملت على علَم فلسطين. وأرفق الناقد والتشكيلي اللبناني محمد شرف لوحته المنشورة على فايسبوك بكلمات الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش في قصيدة «مديح الظلّ العالي»: «يدخلُ الطيرانُ أفكاري ويقصفها فيقتلُ تسع عشرة طفلةً. يتوقفُ العصفورُ عن إنشادِهِ...». وعن هذا العمل، قال لنا شرف إنّها بعنوان «المجزرة»، ومنفّذة بتقنية الأكريليك على كرتون. ولفت إلى أنّه حاول تشكيلياً تصوير اللحظة التي تلي القصف الجوي أو الانفجار: «لم أعمد إلى رسم كثير من الشخصيات، بل لخّصتُها واختصرتها برجلٍ يركض وبين يديه طفلة جريحة أو ربّما ميتة. مشهد دائماً ما رأيناه عبر وسائل الإعلام في تغطيتها لحرب غزة. كما أنّ هناك قامة إنسانية ممدَّدة على الأرض وهي تتأرجح بين الحياة والموت». يدور المشهد التشكيلي في أجواء الجحيم التي يعيشها القطاع الفلسطيني المحاصر، ويمكن تلمّس ذلك عبر المنحى الغرافيكي (اللون الأسود) والألوان الحارّة.
الفن الأصيل هو أيضاً أداة تَواصل وتنوير لمحاولة الإسهام في إحداث تغيير عبر بناء الوعي وإيقاظ الضمير العالمي. علماً أنّه يشتمل على بُعدٍ معرفي يُعدّ خاصية متأصّلة فيه، ويكتسب أهمّية ودوراً وظيفيَّين في المجتمعات.