(1)
أعداؤنا يعلنون قواعد الاشتباكِ،
مع الكونِ، لكنَّهم لم ينتهوا من لعبة الأنبياء بعدُ.
لم يوقفوا الشمس إلا مرةً، كي يجهزوا على أعداء ربِّ لا يحب القتالَ،
لكنَّه ربُّ الجنود الذي سوف يرسل لمن يَقتُلون، باسمه، ملائكة مردفينْ.

عمل للفنان عصام الحاج ابراهيم


ومَن يُقتَلونَ سوف يمرُّون، باسمه، ولا يباركونه في الصحائف، ولا في الصلاةِ…
فهم طيِّبون يحبُّون شمسهم، ولا يوقفونها، وأطفالُهم يحسبونها شهرزادَ ليلهم: تقول الحكايات،
غائبةً، ويبقون في الانتظار إلى أن يطلَّ النهارْ. لكنَّ أعداءنا، قد يتركون لنا الشمسَ:
تحرقنا بالمجازِ، انتظارِ الجديدِ، الذي تحتها، والأباطيلْ. عما قليلْ،
سوف يغزون القمرْ: يزرعون أعلامهم فوقهُ، يعلنون انتصاراً سريعاً
على جنَّة من غبارْ. لا بأس، لا بأسْ… براياتهمْ
سوف تزداد السماء زرقةً، والنهار بياضاً،
والليل نجمةً… لا تضيءْ.

(2)

أنا راسم الدائرةْ،
لم أُقاتل في صفوف العدوِّ، ولا في حروب أبناء شعبيَ
ممَّن أراقوا دماء القرابين على مذبحٍ خاتلوا بعض إخوتِهم عليهْ.
ولكنَّني صلَّيتُ للربِّ، إذ كان مطواعاً، ألا يجيب دعاء الفريقين، ويسعفنا بالمطرْ.
لم ينتصر أحدٌ. لم يرحل الأعداءُ. لم يغرس بناة قلاعنا وحصوننا إلا قليلاً من عروق الآس بعد السَّبيْ…
كانوا مثخَنين، ولم تحالفهم مقاليع الرعاة ولا شباك الصائدينْ. وكان أنْ زرع الغريبُ شجيرةً،
وسخرتُ منه: «سبعون عاماً!» لم أنتبه أنِّي أسيرُ الدائرةْ: نَـمَت الصخورُ وظلَّلتنيْ،
وحمارة الرجل الغريب تناتـجتْ، والماعز الجبليُّ، والنحلُ المعشِّشُ
في خرُّوبة الرجل الغريبْ… نـَمَت الحكاية قرب دائرتيْ، فَنِمتُ.
رحل الغريبُ، ابن الغريبْ… وابنُ الإبنْ، نبَّهنيْ:
«لعلَّه حلمٌ، لعلَّك في الجليل».

(3)

حين يمسك العدو قلبهُ،
يبثُّ النصيحةَ، والحزن حاضرٌ، مثل ديكٍ جريحٍ،
يُودِعُ آلامه وآماله في خزنةِ قنِّه المُحكَمة: «لا تُظهر الضعفَ،
وإنْ كنتَ أوهن من شالِ أرملةٍ على مقبرةْ. لا تُظهر الضعفَ، وإنْ كان الوجود كلُّهُ
عالق في مهد طفلٍ، بلا طفلٍ، على منحدرْ. لا تُظهر الضعفَ، وإنْ سالت القدس، والبلاد، والكون،
بعد حمَّامك الأخير، من فتحة الحوض، إلى قعر أرضك المعتمةْ. لا تُظهر الضعفَ، وانصبْ،
في النهار شراكك للذكرياتِ، وفي الليلِ كن محض عامل في طواحينِ بلعامْ.
لا تُظهر الضعفَ. كن سيَّارة الإسعاف التي لا تنوحْ،
تقلُّ الزبون إلى سرير الترابِ… بلا صافرةْ».

(4)

ابن النبيلةِ
وخادم المعبدِ، القائد العسكريُّ،
المؤرِّخُ، العبدُ، المترجمُ، المستشارُ … لم يكن صالحاً.
كان، إن حمحم الموت واشتدَّ الحصارُ، يحسن استخارة الربِّ
كي يرسل الوحي بالنبوَّات: «لشعبك الويلُ، للروم الغنيمةُ، والغيبُ لك».
أعداؤنا يعلنون قواعد الاشتباكِ/ مع الكونِ، لكنَّهم لم ينتهوا من لعبة الأنبياء بعدُ


كان ماهراً في التفاوضِ السَّهلِ، كارهاً للجبلْ… فالمعارك القصيرة قد تعكِّر صفو الحروب الطويلةِ.
والمقاليع قد تخطئ أهدافَها. والحرابُ، التي أُعدَّت للغزاةِ، قد يغرسونها في بطون الحوامل أو فروجِ العذارى!
«أين ربُّ الجنود من شعبِهِ؟» يقول الـمحارب اليائسُ، وقد أعدَّ خنجر الانتحارِ. يقول المورِّخُ:
«للربِّ حكمتهُ، يا صاحبي، فلتنتحرْ! أمَّا أنا، والوعد دينٌ، سوف أبني للحكاية بيتها،
في أورشليمَ، حين يمنحني سليلُ الامبراطور اسمَهُ، وحرِّيتيْ».

(5)

النبيُّ، يحالفه الربُّ،
والعبيدُ، يحالفون الملكْ. والقائدُ العسكريُّ،
تحالفهُ الجنُّ، إذ يمنعُ الجند عن الماءِ، اختباراً لهم، ويدفعهم للرَّدى.
لكنَّني واحدٌ منهم، أو أكادُ: لم أتخذ بيرقاً للقتالِ، ولا خاتماً للرسائلِ، ولا رشوتُ الخلودَ،
بالحنَّاء والتوابيتْ. لم أرتجل خطبةً قبل موتي. وحين حاربتُ، ولا حرب إن غاب العدوُّ،
لم أنتصر، في مديحِ الخسارةِ، ولم أنكسرْ. وقعتُ على سيفيَ، قبل أن أقرأ الملامة في عيون الشهودِ،
إذ ناصبوني العداءَ قبل أن يعرفوني: «يا لهُ من عاشقٍ! يا لها من عاشقةْ! يا لهُ من نزالْ!»
في الحب حربٌ، قلبانِ، جيشانِ، لا سحابةَ، ولا غابةَ، ولا انتظار للبرابرةِ، ولا للمغولْ.
لا حلَّ في الوهمِ، تُـجلِسهُ إليكَ، ولا مَنَّ في الوقتِ، تسقطهُ عليكَ، ولا خارطةْ…
فالورد أبيضُ، في الكفِّ، صامتٌ، والروحُ بيضاءُ، على ثقفة الرمحِ، تصرخُ:
هدنة، هدنة، هدنة… كي نرى موتنا في المنامْ.

* القدس، فلسطين المحتلة