1
لو لم يكن جنود الإنجليز،
في الهندِ، على حافة الضجرِ،
بعد أن عبَّأوا السفينة بالتَّوابل والقطنِ،
لما عرفنا منافع الغزوِ، وإن سال دم الأبرياء قليلاً،
ولا كرة الطاولةْ. «لا فرقَ»، تصرخ الكرةُ التي هالها عبوس اللاعبيْـنِ،
«من يربح القرعةَ، ومن يبدأ اللعبةَ، ومن ينتصرْ». لم ينتبه أحدٌ، حينها ولا بعدها،
للصراخِ، ولا للرضوض التي خلَّفتها المضارب في الكرةْ… فاللاعبان يحبَّانها،
و يبكيان، أحياناً، إذ يغلِّفان المضارب بالشمعِ كي لا تُصابَ،
ولا يرغبان في سقوطها على الأرض كي لا تخافَ،
ولا تتسخ… لكنَّ أصداء الصراخِ الـمنافس:
«خُذ، تلقَّ، احتملْ…»، توجعها.
يا له من وفاءٍ، يا لها من عاشقةْ.

2


لم يعلن المقاتلُ الحربَ،
ولم يسمع طبولها، ولم يرَ أعلامها،
وقد تحقق الأحبَّة من جمال عينيهِ، والعمىْ…

لوحة لميسرة بارود


كان يعرف عن فنون القتال والسلاحِ، من شِعر الغريبِ،
أكثر من مدرِّبه العسكريِّ. فالقنبلةُ، على سبيل المثالِ، رمَّانة محشوَّة بالملحِ،
أصغرُ من رمَّانة الأرمنيِّ، مصمتةٌ، قطرها بوصتانِ، وارتفاعها ثلاثٌ،
ودائرة انفجارها، بعد خمس ثوانٍ، عشرون متراً، وصراخ قتلاها
يبلغ السماءَ، وقد يوقظُ ساكنها، إن سها عن رحمة العاشقَيْنِ،
إن اختصما. لكنَّهُ، وقد ألقفته الحبيبة ملء قبضتها من النارِ،
واحتفظتْ بنابضها، وأدارت الظَّهرَ لتنجو... ضمَّ الهدية إلى قلبهِ،
بيمناهُ، على عادة المشرقيين في الحربِ، واحتفى بصاعقها،
الذي لا يناورُ، كي يعمَّ السلامْ.

3


حين تبرَّع بالبدرِ،
لأحلك الليالي، كان يُعِدُّ الحصان للنهرِ،
والسيف للرومِ، وينفض الوسادةَ، من غبار المعاركِ،
إذ تستريح أحلامُهُ على قماشتها الداكنةِ، فهي تعرفُها، وتطمئنُّ لخفَّتها.
لم تكن قلاع العدوِّ، في الخريفِ، تقلقهُ، إن علتْ، ولا جذوعُ الشجرْ.
كان يعلمُ أنَّ المواقيت لعبة السيِّدة مع الشمسِ، كي تتمَّ الحكايةَ،
وتنجو فراشتها الزرقاءُ، ووردتُها، من لدغة الليلْ. أما الغريبُ،
فسجنهُ قلبهُ: إن شفَّ تأكل النار أشواكَهُ، وحلاوة الصبرِ
في الجوفِ تطفئها. وإن خفَّ، تحملُ الريحُ
ما تبقَّى إلى حيثُ يشتهي. وإن جفَّ،
رافق الصخرَ، واحتفى بالندى.

4


الأميرُ، صاحب النجم وابنُهُ،
لم يكن كاذباً، ولم يقصد مؤابَ غازياً،
ولم يكتب رسائل الكهفِ، على شرفة الملحِ، كي يحسم المعركةْ.
لم يرفَق بأخوالهِ، خشية الغدرِ… لكنَّهُ رصَّ الصفوفَ، ولـمَّا تبلغ القلوب الحناجرَ،
ولملم الصِّبْيةَ الذين أُحرِقُوا في متون الصحائف بلا رحمة… كانَ، إن أَمَّ جيشَهُ ثائرٌ،
يقطعُ سبابةَ اليسرى، وباليمنى يمنحُ الرمحَ، صامتاً، وفي الصلاةِ يناددُ الربَّ،
ويعاتبهُ: «أي إلهَ كونيْ، لا أبتغى العون في لقاء العدوِّ، ولا ملائكةً مردفينَ،
ولا مغفرةْ. كنْ بيننا على الحيادِ، إن لزمَ الأمرُ، ولا تُنْبِ السيوفَ،
كفى حَرَجاً»… الأميرُ كان نجماً، على العشبِ،
لا يضيءُ، ولا ينطفئْ.

* القدس، فلسطين المحتلة