بعد كل عدوان احتلالي على غزة، أو لبنان، أو أي عدوان احتلالي في المنطقة، وهي كثيرة، تُثار مسألة المقاطعة الإقتصادية لسلع تنتجها دولة الاحتلال، ثم لا تلبث تلك الدعوات أن تخفت بعد توقف العدوان، ويلف النسيان تلك الدعوات. وبعيد عدوانها المستمر على قطاع غزة، أثيرت مسألة المقاطعة مرة أخرى، مضافاً إليها هذه المرة مقاطعة منتجات وسلع زعيمة الإمبريالية الرأسمالية العالمية ممثلة في الولايات المتحدة الأميركية، ودول أخرى تدعم العدوان.وطرأت مفاهيم وتطويرات جديدة على المقاطعة، بصيغة «الاستغناء» بدل المقاطعة، وهذه الصيغة تتيح المجال أمام مقاطعة دائمة، لا ترتبط بزمن معين أو حالة معينة.
وللحقيقة ليس أمر المقاطعة جديداً، خصوصاً في المناطق الفلسطينية المحتلة (الضفة الغربية، بما فيها القدس، وقطاع غزة). على أن للقدس وضعاً خاصاً، حيث تمنع سلطات الاحتلال وجود منتج فلسطيني في اسواقها، والأدوية المصنعة فلسطينياً خير مثال على ذلك، في حين تُغرق الأسواق الفلسطينية بمنتجاتها.
وفي مطلق الأحوال، فإن للمناطق الفلسطينية وضعاً خاصاً في التعامل مع موضوع المقاطعة، حيث الانتاج المحلي ضعيف جداً، ويقتصر على بعض المنتجات الغذائية والدوائية ومنتجات زراعية لا تسد حاجة السوق المحلي، ما يضطرنا لاستيرادها من دولة الاحتلال.
شعار المقاطعة لا يقتصر على شراء منتجات دولة الاحتلال، بل يجب ان يمتد الى مقاطعة لقاء مسؤوليه ووفوده، الرسمية وغير الرسمية، والمقاطعة الأكاديمية وغيرها من مظاهر التعامل مع دولة الاحتلال ومؤسساته الإقتصادة وغيرها، ناهيك بإنهاء «التنسيق الأمني» الذي يضر بنا كثيراً، وتتخذه بعض الأنظمة الحاكمة في الوطن العربي وغيره مبرراً للتطبيع.
ويتمدد شعار المقاطعة أيضاً إلى جميع الدول العربية، التي تعج أسواق بعضها بمنتجات دولة الاحتلال، ويتم فيها استقبال وفوده الرسمية وغير الرسمية «بحفاوة بالغة».
أثبت سلاح المقاطعة جدواه في أكثر من منطقة في العالم، وكان آخرها المقاطعة الدولية متعددة الجوانب لدولة الأبارتهايد العنصري في جنوب أفريقا، وهو سلاح فعال اذا ما أجيد استخدامه وتعميمه.
ربما يكون المواطن الفلسطيني مضطراً في كثير من الأحوال لشراء والتعامل مع منتجات دولة الاحتلال، لعدم توفر البديل المحلي، أو لرداءته وارتفاع سعره، ولكن ما هو مبرر «المواطن العربي» في شراء المنتج الاحتلالي، الذي تتوفر له فرص شراء منتجات من غير دولة الاحتلال؟ وحسب موقع «بورصة فلسطين»: «بلغ حجم التبادل التجاري بين فلسطين وإسرائيل العام الماضي ثلاثة مليارات دولار في أول ستة أشهر من 2023 مقارنة مع 2.7 مليار دولار لذات الفترة من 2022 مسجلة صعوداً بنسبة 8.7% على أساس سنوي. وسجل العجز التجاري الفلسطيني مع إسرائيل 1.5 مليار دولار». وحسب الموقع ذاته نقلاً عن وزارة الإقتصاد الفلسطينية: «استوردت فلسطين خضاراً وفواكه من إسرائيل خلال العام 2018 بما قيمته 300 مليون دولار في حين بلغت قيمة ما تم استيراده من المياه المعدنية والمشروبات الغازية والعصائر ما قيمته 100 مليون دولار في ذات العام». وتابعت: «وارداتنا من المنتجات الزراعية بلغت 600 مليون دولار من إسرائيل وهي تمثل ما نسبته 71% من حجم الواردات الزراعية من مختلف بلدان العالم والبالغة 850 مليون دولار خلال العام 2018». وفي ما يلي مجموعة من البيانات الإقتصادية حول الصادرات والواردات الزراعية من «اسرائيل» واليها التي أصدرتها وزارة الاقتصاد في اعوام ماضية:
• قيمة صادرات المنتجات الزراعية الفلسطينية إلى السوق الاسرائيلي بلغت 88 مليون دولار خلال العام 2018 وهي تمثل ما نسبته 68% من حجم الصادرات الزراعية الفلسطينية للعالم البالغة 130مليون دولار.
•وارداتنا من المنتجات الزراعية بلغت 600 مليون دولار من اسرائيل وهي تمثل ما نسبته 71% من حجم الواردات الزراعية من مختلف بلدان العالم البالغة 850 مليون دولار خلال العام 2018.
ورغم كون هذه الإحصاءات تعود لنحو خمس سنوات مضت، إلا انها تلقي الضوء على الخلل في الميزان التجاري بين فلسطين و«اسرائيل»
على أي حال، هذا موضوع يطول الحديث فيه وهو موضوع للجدل والنقاش في اوساط اقتصادية/ أكاديمية، وعلى المستوى الشعبي ايضاً، ولكن من أجل مقاطعة فلسطينية شعبية فعالة ومجدية لمنتجات دولة الاحتلال لا بد من توافر شروط من أهمها:
1- أن تكون السلعة الفلسطينية أو العربية منافسة في الجودة والسعر للسلعة الاحتلالية.
2-أن يُعطى العمّال حقوقهم كاملة طبقاً لقانون العمل الفلسطيني خصوصاً تطبيق الحد الأدنى من الأجور.
3- تطبيق بنود قانون العمل كافة، خصوصاً ما يتعلق بالأجور والإجازات وساعات العمل الإضافية.
4- فتح فرص عمل جديدة للمساهة، قدر الإمكان، في التخفيف من أزمة البطالة.
كثيرون من أبناء الشعب الفلسطيني يقولون: «لسنا معنيين بـ «تسمين» أرصدة رأس المال المحلي بشراء سلع رديئة وبأسعار مرتفعة، باسم «الوطنية» تارة، و«مقاطعة منتج الاحتلال»، طوراً». على أنّ هناك أموراً، ليس فقط من الصعب، بل من المستحيل تقريباً مقاطعتها، مثل الطاقة بمختلف تسمياتها (وقود وكهرباء)، ومياهنا المسروقة التي تبيعنا اياها دولة الاحتلال، وبالقطارة، وسلع صناعية أخرى ممنوع على المصنعين الفلسطينيين انتاجها، أو هم غير قادرين على انتاجها لأسباب مختلفة.
---
* رام الله، فلسطين