تُعتبر الأسواق أحد أبرز معالم البلدان والممالك والإمبراطوريات عبر التاريخ، ظهرت منذ بدأ الإنسان العمل بالتّجارة، إذ تُعتبر مُحركاً للتّجارة سواء أكانت محليّةً أم خارجيةً، فالسّوق هي المكان العام الذي يلتقي فيه النّاس لبيع المنتجات السّلعية والخدمية وشرائها سواء بشكلٍ مباشرٍ أو عبر وسطاء، وقد تُقام الأسواق في الهواء الطّلق أو داخل مبانٍ، وقد تعمل بعضها بصفةٍ يوميّةٍ ويُطلق عليها اسم «الأسواق الدّائمة»، في حينٍ قد يُقام بعضها مرّةً واحدةً في الأسبوع أو في مناسباتٍ معينةٍ كالأعياد والمهرجانات ومواسم الصّيف وتُسمّى «الأسواق الدورية».ككلّ الشّعوب الأصيلة، عمل الفلسطينيون في التجارة وبنوا الأسواق منذ البدء، وأسهم في شهرتهم التجارية موقع فلسطين الإستراتيجي الذي يتوسّط ثلاث قاراتٍ، ما أكسبها دوراً مهمّاً في التجارة عبر التاريخ، ما أدّى إلى ازدهار أسواقها وتنوّعها على مرّ العصور وصولاً إلى العصر الحديث الذي شهدت فيه أسواقها تنوّعاً يعكس تنوّع حياة الشّعب الفلسطيني وتعدّد أعمالهم من زراعةٍ إلى تربية المواشي والصّيد والصناعات اليدوية وتبادل السلع على المستوى المحلّي والإقليمي. عرفت مناطق فلسطين المختلفة الأسواق بأنواعها: اليومية والدورية.

بيوت سوق أفتيموس ومتاجرها في البلدة القديمة في القدس (تصوير يوسف ألبينا في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين ــ أرشيف المتحف الفلسطيني)

نستعرض في هذا المقال بعضاً من أهم الأسواق الفلسطينية الأسبوعية التي كانت تُقام في أنحاء فلسطين كافة، بالقرب من المدن والقُرى والتّجمعات السكنية والطرق الرئيسية، وتحديداً قبل عام النكبة، أي قبل أن يوجد ثمّ يسمع العالم بالكيان الإسرائيلي وإرهابه الذي لم يتوقّف عن إبادة مناطق بأكملها ليمحي تراثها وتقاليد أبنائها... تلك الأسواق كانت تُمثّل جزءاً مهمّاً من التفاصيل اليومية لحياة شعبٍ بأكمله، إذ يجلب إليها التّجّار والفلاحون والبدو الفائض من بضائعهم الفلسطينية المحليّة ويُبادلونها بما يحتاجونه من أدواتٍ. وكان الحكّام يحضّون على إقامتها لتسهيل أمور الأهالي وإنعاش اقتصادهم ورفاهيتهم، وقد اتّسع بعضها ليتحوّل إلى سوقٍ إقليميةٍ تضمُّ بضائعَ محليّةً وعربيةً، وتجّاراً عرباً وفلسطينيين، لتحكي هذه الأسواق للقارئ ببضائعها وتجّارها ووافديها عن شعبٍ بأرضٍ وتاريخٍ وثقافةٍ تجاريّةٍ، تمتّع قبل الاحتلال الإسرائيلي بحريّة التنقّل بين قُراه ومُدنِه لتبادل البضائع وممارسة الحياة وتمكين أواصر العلاقات الاجتماعية، عن شعبٍ منفتحٍ على جيرانه، يُقيم معهم العلاقات التجارية، ويتبادل معهم المصالح المشتركة بسلامٍ بعيداً عن الحروب والمطامع:

سوق القدس الأسبوعي
كانت تُعقد في القدس أسبوعياً كلّ يوم جمعة سوقٌ بجانب بركة السلطان وإلى شمالها، وهي سوقٌ لبيع الحيوانات، ويوجد على الجانب الشّرقيّ من البركة المذكورة مستشفى حكوميّ للحيوانات، وكانت هذه السوق ترفد أسواق المدينة بسيلٍ من روادها لإنجاز معاملاتهم وقضاء حوائجهم وسعيهم للصلاة في الأقصى ونيل البَرَكات، فتنشط الحركة التجاريّة في المدينة ككلّ.

سوق المجدل الأسبوعي
يقول المجدليون إنّ مدينتهم اشتهرت بصناعة النسيج حتّى وصل عدد أنواعها إلى ثلاثة آلاف، وكانوا ينسجون المنسوجات الحريرية والقطنية، ويصدّرون القماش بكلّ أنواعه إلى جميع أنحاء فلسطين مثل: قماش الميزر والتوستا المُقلّمين، والكوفيات القطنية والحريرية، وقماش الفرش المالطي والبفت وقماش البدل والشراشف والمناشف والبشاكير. حازت المجدل الجائزة الأولى في صناعة النسيج في «المعرض العربي القومي» في القدس سنة 1934. طوّر أهلها أنوالهم فأصبحت جرّارة، وقد استطاع عددٌ كبيرٌ من تجّار المجدل أن يجوبوا معظم أنحاء فلسطين، خصوصاً جبل الخليل والقدس ونابلس لبيع أنواع الأقمشة كافة. وكان لعلاقتهم التّجارية أثرٌ فعّالٌ في تقوية أواصر الصداقة والمودة بينهم وبين تجّار المدن الأخرى وسكانها. وكانت تُقام في المجدل سوقٌ أسبوعيّةٌ كبيرةٌ يومَي الخميس والجمعة من كلّ أسبوع، يأتي إليها السّكان من القُرى المجاورة ومن قضاء الخليل وغزّة وعشائر بئر السّبع، حيث تُباع الحيوانات والدّواجن والألبان والأجبان والخضروات والفواكه والأقمشة والفخار والعطارة... وكان في المجدل عدد من دكاكين البقالة والسمانة والعطارة، بالإضافة إلى المِهن كالحدادة والخراطة والسنكرة والتّجارة... ويقع معظم الدكاكين في منطقة السوق بالقرب من جامع المدينة، كما اشتهر أهلها في صناعة السروج والبرادع وعربات النّقل والمخارط وبيع اللحوم ومعاصر الزّيتون ومطاحن الحبوب، وكان فيها أيضاً عدّة مقاهٍ.
يقول أهالي المجدل إنّه كانت في مدينتهم دائرة بيطرة تحوي عدداً من الأطباء الذين يُشرفون على المواشي الموجودة والداخلة إلى بلادهم، والماء متوافر للإنسان والدّواب، وفيها محاكم ومحطاتٌ للباصات التي تنقل الرّكاب وروّاد الأسواق من مختلف المناطق إلى المجدل وبالعكس، مثل يافا وغزّة والرّملة، ويعود ذلك إلى المدة الممتدّة ما بين 1930-1936.

سوق غزّة ومدنها وقُراها الأسبوعية
تُسمّى سوق غزّة الأسبوعيّة «سوق الحيوانات» أو «سوق الجمعة»، وكانت تُقام في بركة شرقي المدينة، حيث يُشارك الأهالي من غزّة وقضائها وبدوها، تُعرَض فيها الخيل والحمير والبغال والماشية والإبل، خصوصاً الأغنام النّجدية التي يأتي بها تُجّار من عقيل. يرجع تاريخ السوق إلى ما قبل الإسلام، إلى بني سبأ ومَعين، ويُعتقد بأنّهم من بُناة غزّة أو أوّل من غَشيَ أسواقها من العرب الأوائل. إضافة إلى سوق غزّة، ثمّة أسواق أخرى تُقام في المدن والقُرى التّابعة لقضاء غزّة، وأشهرها:
- سوق خان يونس: خان يونس إحدى مدن قضاء غزّة، التي كانت تُعقَد فيها سوقٌ أسبوعيّةٌ كلّ يوم خميس، مُسمّاة «سوق البلدة»، يقصدها الباعة والتّجّار من جميع أنحاء المنطقة لموقعها المميز، وفيها بيعَت الجِمال والحيوانات بأنواعها والأقمشة والفخار والحبوب والألبان والأجبان والسّمن، كما عرَض عبرها السّكان ما عندهم من بضاعةٍ، لبيعها أو مبادلتها ببضائع أُخرى يحتاجونها.
- سوق الفالوجة: الفالوجة إحدى قُرى قضاء غزّة تقع وسط المسافة بين الخليل وغزّة وتبعد عنهما 30 كلم. لذلك كانت تُمثّل مركزاً تجاريّاً مهمّاً يرتاده التجّار والناس من القرى المجاورة، ويؤمّون جامعها القديم الكبير المكوّن من ثلاثة أروقة وقباب عدة وصحن، وفيه دُفِن الشّيخ أحمد الفالوجي. إضافة إلى الجامع، ثمّة أضرحة ومقامات لأولياء مجاهدين تعود لمدة الحروب الصليبية يقصدها الناس للزيارة، وأسهم ذلك في نشاط حركة التجارة فيها، وقد كانت تُقام فيها كلّ يوم أربعاء سوقٌ يقصدها التّجار والباعة من جميع أنحاء المنطقة وبلداتها تستمر حتّى ظهر الخميس. اهتّم بهذه السّوق المجلس المحلّي للقرية، فزوّدها بما تحتاجه من خدمات. واشتهر أهل الفلوجة بتربية الحيوانات والزراعة والتطريز والحياكة وصناعة الفخار، وكان فيها مطحنة للحبوب مشهورة. جذبت هذه التفاصيل سكان المنطقة والجوار. وإضافة إلى الأضرحة والأسواق، تميّزت الفالوجة بوجود مدرستين: الأولى أُنشئت للبنين عام 1919، والثّانية للبنات عام 1940، ووجود موقعٍ أثريٍّ يُدعى خربة الجلس.
انتهت هذه الأسواق وهذه الحياة، بعد مقاومة أهل الفالوجة لمدّة عامٍ كاملٍ من 1948 حتّى 1949 لجيشٍ كاملٍ بعتاده، لينتهي الأمر باستيلاء اليهود عليها بموجب هدنة، بعدما قاموا بتطهيرٍ عرقيٍّ شاملٍ لمن بقيَ من أهلها. أمّا من نزح عنها، فاتّجه إلى غزّة والخليل ومخيم اليرموك وغيره من المخيمات في سوريا.
- سوق المسمية الكبيرة: إحدى قُرى قضاء غزّة، تقع إلى الشمال الشرقي من مدينة غزّة وإلى الجنوب من مدينة الرملة. قبل النكبة، كانت تُقام في مركزها سوقٌ أسبوعيّةٌ كلّ يوم خميس، يبيع فيها سكان القرية الطّيور والدّواجن والبيض والبرتقال. اشتهرت المسمية الكبيرة ببساتين البرتقال التي تمتدّ على مساحة 1005 دونماً من أراضيها، وبتربية أهلها للدواجن والطيور، وكان يحضر إليها عدد من التجّار والباعة، وما أسهم في كثافة روّادها وجود مستوصف فيها، وكثرة موظفي الجيش البريطاني ومعسكراته فيها، وآبارها التي تراوح من 20 إلى 50 متراً، ووجود مدرستين فيها الأولى للبنين تأسّست عام 1922، والثانية للبنات تأسست عام 1944.
لكن في 8 تموز (يوليو) عام 1948، هدمت المنظمات الصّهيونية المسلّحة القرية وشرّدت أهلها البالغ عددهم آنذاك 2923 نسمة، لتفقد القرية بذلك كلّ معالمها. 

أسواق قُرى الخليل الأسبوعي
الخليل أكبر مدن الضّفة الغربية. ورغم أنّها فقدت نصف قضائها عام 1948، ما زالت تمتاز إلى يومنا بأهميتها الاقتصادية والتجارية. اشتهرت بأسواقها اليومية والأسبوعية منذ القدم، ومن أهم الأسواق الأسبوعية التي كانت تُقام في قُراها:
- سوق الدّوايمة: الدوايمة قرية فلسطينية تقع على بعد 25 كلم غربي مدينة الخليل، تحدّها من الشمال بلدة بيت جبرين، ومن الجنوب والجنوب الغربي بلدة دورا وخرابها، ومن الغرب منطقة بئر السّبع. بلغ عدد سكانها قبل النكبة 4304 نسمة، ثمّ ارتكب فيها الاحتلال مجزرةً ذهب ضحيتها ما يُقارب 500 فلسطيني، في حين هُجِّر من بقي من أبنائها، وقبل ذلك كان فيها عدد من الدّكاكين (30-50 دكاناً)، إضافة إلى عشرة محلات جزارة، ومطحنتين لطحن الغلال. ازدهرت الحياة التّجارية فيها سنة 1944 عندما فُتحت سوقٌ تجاريّةٌ كبيرةٌ فيها، في منطقة الجرون «البيادر» التي عُرفَت بسوق البَرَّين لأنّها كانت تجمع بين تجارة الجبل وتجارة السّهل أسبوعيّاً كلّ يوم جمعة. ولا مبالغة في القول إنّ سوق الدوايمة ــ رغم قصر أجلها ــ قد فاقت في تجارتها وازدحامها بالباعة والمشترين، أسواق قُرى أخرى، إذ كان التّجار يتسابقون إليها من كلّ المناطق البعيدة أو القريبة، من الفالوجة وبيت جبرين والظّاهرية ودورا الخليل وغزّة، مساء يوم الخميس وفي جوف الليل، فينام بعضهم في الطرقات أو في القرية، استعداداً لعرض ما يحملونه من بضائع في ساحة السوق صبيحة يوم الجمعة. وكانت معروضات السّوق تتألف في مجملها من: خضراوات، حبوب، فواكه، أقمشة، حلويات، وبعض منتوجات القرية. وكانت لجنة من أهل القرية ترعى شؤون السوق وشؤون القرية.
- سوق بيت جبرين: بيت جبرين قرية فلسطينية، تقع على بُعد 21 كلم شمال غرب الخليل، كانت تبلغ مساحتها حوالى 56185 دونماً، منها 287 دونماً مخصّصة للمباني، وما تبقّى أراضٍ زراعية. ينحدر سكان المخيم الأصليون من البيوت المدمّرة لبيت جبرين التي شكّلت ــ قبل الاحتلال الإسرائيلي ـــ مركزاً تجاريّاً مُرفَقاً بالخدمات لجميع قرى المنطقة، وتوافرت فيها مدرستان وعيادة طبيّة ومركز للباصات ومركز للشرطة، ما أسهم في ازدهار سوقها الأسبوعي التي كانت تُقام كلّ يوم ثلاثاء، وقد جذبت إليها بتنوع بضائعها جميع أبناء القُرى المجاورة.
- سوق عجور: عجور إحدى قُرى قضاء الخليل تقع شمال غربي القضاء على بعد 25 كلم من مركز الخليل. كانت تُعقد فيها سوق أسبوعيّة كلّ يوم جمعة على رقعة واسعة إلى الشرق من القرية. جذبت إليها النّاس والتّجّار من مختلف المدن الفلسطينية لكثرة ما يُعرض فيها من بضائعَ ومنتجاتٍ للقرية من قمحٍ وشعيرٍ وفواكهَ وعنبٍ وعسلٍ ولبن ماعز وزيتونٍ وزيت زيتون. امتازت القرية بأشجار زيتونها وببيوتها المتجمّعة قرب بعضها، ولكنها للأسف دُمّرت بالكامل بتاريخ 23 تشرين الأول (أكتوبر) 1948 على يد الكتيبة الرابعة للواء غيفعاتي الإسرائيلي، لينزح من تبقّى من أهلها، ويبقى من القرية ثلاثة منازل فقط، تمّ تجديدها عام 2000 من قبل عائلات إسرائيلية استوطنوا فيها.

سوق يافا وقراها الأسبوعية
اشتهرت في يافا سوق الخضار والفاكهة من مختلف الأصناف والأنواع، حيث كانت تُعقد يوم الجمعة قبل الصّلاة وبعدها، وتُقام خارج السّور، فيتقاطر إليها القرويون من شتّى الأنحاء، ويبيعون محاصيلهم ومنتوجاتهم، ويشترون ما يحتاجونه من مصنوعات. وإضافة إلى سوق المدينة، ثمّة أسواق أُقيمت في قراها وأشهرها:
- سوق العباسية: العباسية إحدى قُرى قضاء يافا، كانت تحتضن كلّ يوم سبت سوقاً، يؤمُّها سكانُ القرى المجاورة يشترون ويبيعون فيها المنتوجات الزراعية والحيوانية والأقمشة وغيرها من المعروضات والمصنوعات...

سوق الرّملة وقُراها الأسبوعية
تُعتبر الرّملة من المدن المهمّة تاريخياً وحضارياً وصناعياً، كان فيها سوقٌ تُعقد كلّ يوم أربعاء، تُعرض فيها الحيوانات والألبان ومشتقاتها والمواشي والخضار والفواكه والمصنوعات، حيث تُزوّد المنطقة بما تحتاجه من بضائع وبما يجلبه الفلاحون والتّجار معهم من أشياء. إضافة إلى هذه السوق، ثمّة أسواق أخرى كانت تقام في القرى المحيطة بالرّملة، أهمها:
- سوق زرنوقة: زرنوقة إحدى قرى قضاء الرّملة، كانت تُقام فيها كلّ يوم سبت سوقٌ تملؤها بضائع التّجار القادمين من يافا واللد والرّملة، لتباع فيه.
- سوق القباب: القباب قرية من قُرى قضاء الرّملة، كان تُقام فيها أسبوعياً سوق 1948، التي كانت تضمّ محلاتٍ مؤلّفة من متاجرَ صغيرةٍ تبيع مختلف أنواع البضائع.
- سوق طيرة دندن: طيرة دندن هي إحدى قُرى قضاء الرّملة، كانت تُقام فيها سوقٌ أسبوعيّةٌ للماشية تستمر ليومين، تشترك فيها القُرى المجاورة.

سوق رام الله وقُراها الأسبوعية
كان تُقام في رام الله كلّ يوم خميس سوقٌ كبيرةٌ للمواشي، تجذب الناس من أنحاءٍ عدةٍ نظراً إلى موقع رام الله المُميّز، ودماثة أهلها وأخلاقهم، ونشاطها الزّراعي والصّناعي والتّجاري، وكثرة المحلات والمصانع فيها. إضافة إلى هذه السّوق، ثمّة أسواقٌ أسبوعيةٌ أخرى كانت تُقام في القُرى المحيطة برام الله وأشهرها:
- سوق الطّيرة الأسبوعي: الطّيرة قرية فلسطينية، تقع من الجهة الغربية لرام الله على بعد 12كلم، وهي قرية زراعية مُنتجة، تَزرع لتُصدّر ولتفتح الأسواق في حيفا، تُنتج الحبوب والزيتون والزّيت والخضار وبعض الصّناعات الغذائية، وتستورد في المقابل مستلزمات البيوت من أدوات منزلية وبعض الخضار غير المزروعة فيها مثل الباذنجان. كانت فيها سوقٌ محليّةٌ تحوي متاجر لبيع الأقمشة والقرطاسية والطّحين والسّمسم وحبة البركة والأسماك والخضار، ومحالاً للحرف اليدوية من خيّاطين وحذّائين ولحّامين، وسوقاً مركزيّة كائنة في ساحة النّزول. إضافة إلى ذلك، أُقيمت فيها سوقٌ أسبوعيّةٌ شكّلت تفاعلاً اقتصادياً بين القرية والمدينة وحركةً مستمرةً بينهما. وعلاوة على المنتجات الزّراعية، تزوّد الطّيرة ميناء حيفا وسوقها بالأيدي العاملة والحِرَف.

سوق اللد الأسبوعية
اشتهرت اللد بسوقها الأسبوعيّة منذ آلاف السّنين. كانت تُقام سوقٌ تبدأ بعد ظهر يوم الأحد وتستمر لما بعد ظهر الإثنين، يصل إليها آلافُ رؤوس الأغنام والماعز، وأعدادٌ كبيرةٌ من رؤوس البقر والجمال، فضلاً عن الدّواب من حَميرٍ وخيلٍ وبغالٍ، يحضر الوافدون إليها من جميع أنحاء فلسطين وسوريا ومصر ولبنان والأردن والعراق. ولذلك سُميّت «سوق البَرَّين»، إشارة إلى البَرِّ السّوري والبَرِّ المصريّ. ما إن يحلّ صباح الإثنين حتّى تعجّ بالتّجار والوافدين الذين يبيعون ويشترون، وكان هذا اليوم بمنزلة يوم المدينة. لذلك عُرف يوم الإثنين بين النّاس بـ «يوم السّوق» كنايةً عن أهمية هذا اليوم الذي تنشط فيه التّجارة بصورةٍ كبيرةٍ، حيث يشتري الوافدون من خارج المدينة جميع حاجاتهم من سوق المواشي ومن مختلف أسواق المدينة. وقد خصّصت البلدية لهذه السّوق قطعة أرضٍ واسعة شمال المدينة قريبةً من المسلخ والبئر، وأحاطتها بسورٍ صخريٍّ، وبنَت داخلها مكتباً إداريّاً لجباية الرسوم والضّرائب والخدمات الضّرورية الأخرى، وقامت بتأجير هذه السّوق وتضمينها لتجّار من المدينة لقاء مبالغَ ماليّة تُدفع سنويّاً. ولهذا فقد مثّلت هذه السوق مصدر دخلٍ كبيراً للبلدية.
إضافة إلى سوق المواشي، أُقيمت في مدينة اللد أسواقٌ أخرى كسوق القماش الواقعة في البلدة القديمة، سوق المواد الغذائية، سوق الخضار، سوق الدّواجن وسوق الطّيور.

أسواق في قرى فلسطينية هُجّر أهلها وأُبيدَت بعد النكبة
- سوق قانون: قَاقون قرية فلسطينية أثرية تحتوي على بقايا برج يعود إلى المدة الصليبية، وقلعة وقطع معمارية وعقود وبئران ارتوازية، تقع على بعد كيلومترين من شمال غرب مدينة طولكرم وتتبع لها. هُجّر أهلها وقُتِل كثيرون منهم على يد الاحتلال الإسرائيلي، وكانت تُقام فيها قبل الاحتلال سوقٌ أسبوعيّةٌ، يقصدها الناس من مختلف المناطق للتّبضع وقصد الآبار الارتوازية، وكانت السّوق بالقرب من مسجدها الذي كانت عليه كتابة تعود إلى المدة المملوكية، وقد تحوّل إلى كنيسة في عهد الصليبين، ليعود إلى مسجد بعد تحرير الظاهر بيبرس المنطقة من الغزو الصليبي.
انتهت هذه الأسواق بعد مقاومة أهل الفالوجة لمدّة عامٍ كاملٍ من 1948 حتّى 1949 لجيشٍ كاملٍ بعتاده


- سوق أسدود: أسدود قرية فلسطينية ذات أهمية تاريخية ودينية كبيرة، تحوي آثاراً عائدة إلى أيام الكنعانيين. قامت على أرضها مدينة كنعانية دُمّرت في العصر البرونزي، وكانت من أوائل القُرى التي ارتكب فيها الإسرائيليون المجازر وهجّروا أهلها ودمّروها عام 1948 ليحولوها بعد ذلك إلى مدينة إسرائيلية حديثة يتمّ فيها التنقيب. بلغ عدد سكانها قبل ذلك 4910 نسمة منهم مسلمون ومسيحيون كاثوليك، كانوا ــ قبل إبادة قريتهم التي مُنحت أراضيها للإسرائيليين بموجب اتفاقية هدنة 1949 ـــ يُقيمون فيها سوقاً شهيرةً كلّ أربعاء تُباع فيها محاصيل القرية من حمضيات وموز وحبوب، وتستقطب سكان القُرى المجاورة. وما زاد روادها وجود محطة قطار فيها كانت جزءاً من خط سكة الحديد السّاحلية.
- سوق اللَجُّون: اللجون إحدى قُرى قضاء جنين تقع على بعد 16 كلم شمال غرب جنين، كانت تُعقد فيها سوقٌ صغيرةٌ يقصدها الناس والباعة والتجّار لامتيازات القرية الكثيرة من وجود طواحين، ومركزٍ طبيٍّ، ودكاكين، وشركة باصات. وزاد من ازدحام وافديها وفرة مياهها التي تُعرف بأنّها «الماء الذي أخرجه النّبي إبراهيم عندما ضرب بعصاه صخرةً، فخرج منها ماءٌ وافرٌ» اتسع على أهل القرية بعدما كانت قليلة المياه. كان ذلك عند مروره بالقرية أثناء مسيره إلى مصر ومعه قطيعه من الغنم.
وفي 30 أيار (مايو) 1948 دُمّرت القرية على يد المنظمات الصهيونية المسلّحة، وهُجّر سكانها ثمّ أقاموا فوق أراضيها كيبوتس مجدو، ولم يتبقَّ منها اليوم سوى القليل من آثارها.
بالإضافة إلى الأسواق الشّعبية الأسبوعيّة المذكورة في المقال، هناك عشرات الأسواق الأخرى، مثل: سوق طبريا، سوق الجَش- سوق الجمعة في نابلس، سوق كفر برعم، سوق كفر ياسيف، سوق بيت ساحور، سوق الحلال، سوق الخالصة، سوق النّاصرة، سوق طرشيحا، سوق صفد، سوق حسبة البصّة، سوق رفح، سوق الصفصاف، سوق نورس وغيرها من الأسواق الشعبية الأسبوعية. ورغم آلاف المجازر الإسرائيلية التي ارتُكبت لتمحي ملامح هذه الأرض وثقافتها وتاريخها، ما زالت هذه الأسواق تشكّل إرثاً شعبيّاً فلسطينياً يؤكد أنّ هذه الأرض لشعبها الفلسطيني، فما اندثر منها سيعود يوماً ما، وما بقي منها قائماً يشكّل جزءاً من تفاصيل الحياة الفلسطينية اليوميّة.