قدّمتُ في 24 كانون الثاني (يناير) الحالي محاضرة في «الحركة الثقافية ـــ انطلياس» حول «الأزمة المالية وحلولها»، وهي استعادة لكتابي الذي صدر عن دار «منتدى المعارف» قبل شهرين تحت عنوان: «انهيار سعر صرف الليرة في لبنان: دور الصندوق ودور الداخل». يتضمّن الكتاب عشر دراسات حول الأزمة المالية في لبنان، سبق لي أن نشرتها في صفحة «الرأي» وفي ملحق «رأس المال» في «الأخبار». أضاف الكتاب إلى هذه النصوص تمهيداً أو مقدمة أوضحت محتوى الكتاب تحت ثلاثة عناوين: دور الصندوق في افتعال الأزمة المالية في لبنان التي بدأت كأزمة توقّف عن الدفع لدى المصارف؛ ودور الأفرقاء الداخليين، وخصوصاً حاكم المركزي رياض سلامة، والمصارف التجارية في تعميق الأزمة إلى درجة خلق ما يشبه المجاعة؛ وأخيراً البديل المقترح للخروج من الأزمة.
قدمَت المداخلة عرضاً واضحاً للأزمة وأقرب إلى القارئ. وتلا ذلك نقاش كان هو الآخر جيداً ووديّاً. وكانت المفاجأة عند الإطلاع على الفيديو المنشور على فايسبوك. إذ اقتُطعت فقرتان منه تتهمان الصندوق بأنه هو الذي افتعل الأزمة عبر تقرير بعثته إلى لبنان في شباط (فبراير) 2018، أدى إلى خروج الودائع أو هروب الرساميل.
حضر المداخلة عشرون شخصاً وحظيت بـ 200 مشاهدة على فايسبوك. ولا يزال عدد المشاهدات لهذه الصيغة المشوّهة من المحاضرة يزداد. وجعل اقتطاع الفقرتين الجزء الأول من المداخلة حول اتهام الصندوق بافتعال الأزمة بلا طائل.
أُلغيت حسابات مستخدمين لمجرد أنهم عبّروا عن رأي مخالف


وتنشر الصحافة وقائع عن صحافيين أو مستخدمين لوسائل التواصل كفايسبوك تُلغى حساباتهم لمجرد أنهم عبروا عن رأي مناقض لرأي المشرفين على وسائل التواصل هذه. وكانت مفاجأة لي أن يكون التعاطي مع دراسة علمية مماثلة بقمع رأيي ومنعه من الوصول إلى القارئ، بدلاً من أن يعمد الصندوق إلى تفنيد آرائي والعمل على دحضها بقراءة علمية مناقضة.
وبيّنت هذه الحادثة أننا نتصرّف بحسن نيّة وسذاجة حين نستخدم وسائل التواصل هذه، غير آبهين بأنها تتعاطى بصفاقة كاملة مع الرأي المخالف. والأرجح أن الأفضل هو التخلّي عنها كتسهيلات لتعزيز النقاش العام، وإيجاد سبل للتواصل لا تخضع لهيمنتها.

* باحث وأكاديمي لبناني