القاهرة | «تبليط الأهرامات» هو العنوان الأبرز الذي جرى تداوله والتعليق عليه في مصر. هل هناك في مصر شيء أهم من الأهرامات؟ فاجأت وزارة الآثار المصرية الرأي العام بأنّها في صدد إعادة كساء أحد الأهرامات الثلاثة، وتحديداً هرم منكاورع (هرم منقرع) في الجيزة بالغرانيت الأحمر وتغطية جوانبه كافةً بهذه الحجارة. وأعلنت أنّ ذلك يأتي تنفيذاً لقرار ترميم الهرم وإعادته إلى أصله الذي كان مغطّى بالغرانيت الأحمر. أثارت الخطوة فزع المصريين، سواء على المشروع نفسه أو أمواله، أو مدى جديته، وانطلق الحديث والنقاش عن «تبليط الأهرامات» في إطار واسع على السوشال ميديا وفي الشارع والبرلمان المصري. «تبليط الأهرامات» فكرة أعلنها الأمين العام لـ «المجلس الأعلى للآثار» مصطفى وزيري. الأخير مسؤول حكومي يثير الجدل دوماً بتصريحاته حول الآثار المصرية أو رغبته الدائمة في الترويج لنفسه. وقال وزيري وهو يقف أمام الأهرامات المصرية إلى جانب شخص آخر ياباني لم يتبين من هو: »النهارده بإذن الله تعالى هنبدأ مشروع القرن». وتابع بأنّ المشروع عبارة عن إعادة تركيب البلوكات الغرانيتية التي كانت كساء خارجياً للهرم الثالث منكاورع، وظهر العمّال في فيديوات كثيرة وهم يعملون بالفعل على تبليط أو كساء الهرم بالغرانيت بالتعاون مع بعثة يابانية في مشروع قد يستغرق ثلاث سنوات من العمل، زعماً من وزيري بأنّ ذلك يعود بالهرم منكاورع إلى الشكل الذي كان عليه عندما بناه المصريّون القدماء.
كانت غالبية التعليقات على المشروع معارضةً للفكرة في الأساس، لكنها انقسمت إلى من يرون أنّ هناك سفهاً من قبل الحكومة في تكبّد مشروع يكلف 200 مليون دولار وفقاً لتصريحات من وزارة الآثار في وقت تعاني فيه مصر من أزمة اقتصادية كبيرة وصلت بديونها الخارجية إلى 164 مليار دولار في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) 2023، ولو أنّ اليابان ستتكفّل بكلفة الترميم، علماً أنّ الموضوع ليس مؤكّداً بعد.
وذهب معلّقون آخرون إلى ضرورة محاسبة مصطفى وزيري على تصريحاته بشأن المشروع لأنها «أثارت البلبلة» في الشارع المصري. تهمة توجَّه أحياناً إلى المعارضين بغية التنكيل بهم، وخصوصاً أنّ تصريحات وزيري من أمام الأهرامات أثارت العالم كلّه المهتم بالآثار المصرية القديمة. الكاتب محمد سلماوي، قال إنه كان يُفترض أن تدعو وزارة الآثار إلى مؤتمر عالمي يجمع الآثاريين المختصين في الترميم عالمياً للنقاش حول أهمية وصحة خطوة «كسوة الأهرامات» أو ما عرف شعبياً بـ«تبليط الأهرامات» وإخضاع الأمر برمّته للبحث العلمي الجاد، باعتبار أنّ المواطنين المصريين هم من يملكون هذه الآثار. وختم تعليقه بأنّ مشاريع مماثلة «تتطلب قدراً من التريث والدراسة، لأنّها إذا نُفّذت، فلا مجال للعودة عنها إلا بهدم ما بنيناه فوق الأثر، فهل هذا معقول؟»
عاطف معتمد، أستاذ الجغرافيا في كلية الآداب في جامعة القاهرة، قال إن ما استوقفه هو الترويج لفكرة أنّ المشروع هو «هدية مصر للعالم». وأشار إلى نقاط عدة تضرّ بالأهرامات بالفعل منذ وقت طويل، من دون أي تحرك رسمي لمعالجتها، مركّزاً على التغوّل في البناء بالقرب من أحجار الأهرامات، وبناء عمارات سكنية محيطة بالمنطقة من دون وجود أي أشجار، وتغوّل في شبكة الطرق في ميدان الرماية القريب من المنطقة، ما جعل الأهرامات مثل «معتقل أثري» لا واحدة من عجائب العالم القديم. وتابع أنّ الترويج لمشروع بصفته «هدية مصر للعالم»، يأتي في وقت يُترك فيه السيّاح لسلوكيات بائسة ممن «يستغلونهم ويسيئون لسمعة مصر»، في إشارة إلى الباعة الجوّالة حول الأهرامات. واعتبر معتمد أن المصريين خاصموا الأهرامات ولا يزورونها بسبب ما يحدث في المنطقة، والسيّاح هربوا من الاختناق المروري في القاهرة، وباتوا يأتون إلى العاصمة عموماً لمدة يوم واحد ضمن إجازاتهم الممتدة على الشواطئ، ما لا يسمح لأحد منهم بزيارة معالم القاهرة كلها.
التغوّل المعماري جعل الأهرامات أشبه بـ «معتقل أثري» لا واحدة من عجائب العالم القديم


بعد كل هذا الجدل، قررت وزارة السياحة، تشكيل لجنة علمية برئاسة عالم الآثار الشهير ووزيرها السابق في مصر زاهي حواس، وعضوية متخصّصين في آثار الأهرامات من دول عدة، بهدف فحص المشروع وإبداء الرأي حوله. وأكدت الوزارة أنّها ستمدّ اللجنة بكل المعلومات الخاصة بالمشروع، لكتابة تقريرها عن كساء الأهرامات، وإعلان ما توصّلت إليه أو تقريرها في مؤتمر صحافي، أي إنّ الوزارة لجأت إلى ما كان يُفترض أن تبدأ به فعلاً، وهو البحث العلمي لإقرار مدى أهمية وإمكانية تنفيذ هذا المشروع. أمر أثار استغراب النائبة هند رشاد، إذ بدأ هذا المشروع المهم بلا دراسة، قبل أن تتألّف لجنة لدراسته بعد الجدل حول أهميته وصحته.
وقدمت النائبة آمال عبد الحميد طلب إحاطة لوزير السياحة والآثار أحمد عيسى، حول المشروع وجدواه وتمويل اليابان له، منتقدةً اعتقاد وزارة الآثار بأنّها تمتلك آثار مصر وحدها ويمكنها التصرف فيها من دون استشارة الرأي العام أو المعنيين بالمجال. كما أبدت العضوة في «لجنة الثقافة والإعلام» النائبة ضحى عاصم، مخاوفها من تأثير استخدام مواد جديدة سلباً على الأهرامات. وقالت إن جدوى اقتصادية ستعود على مصر من المشروع باعتباره سيكون جاذباً للسياحة أثناء مراحل الترميم أو بعده، لكنها أيّدت فكرة اللجنة المشكَّلة من وزارة الآثار حتى يُجرى الترميم بشكل علمي وتقني مخافة أن يفقد الأثر قيمته.
يبقى أن كل مسؤول في مصر يشغله إبهار العالم وإرسال الهدايا له، ويعتبر أن أي مشروع أو مُنجز يمكن أن يصبح «هدية مصرية للعالم». أمر علّق عليه متابعون على السوشال ميديا بـ«كفاية يا مصر».