لطالما بالغت الحكومة الألمانية في دعمها لكيان الاحتلال ولا سيّما بسبب عقدة الذنب التي يؤجّجها تاريخها الأسود بحقّ اليهود، ما يدفعها إلى دعم الصهيونية التي ترتكب المجازر واعتبار أيّ انتقاد لها «معاداة للسامية»، ظنّاً منها أنّها تعود عن خطيئتها فيما ترتكب أخرى من المستوى نفسه. هذا الدعم ازداد إبّان حرب الإبادة الإسرائيلية على غزّة المستمرّة منذ أشهر، فكان «مهرجان برلين السينمائي الدولي» المموّل بشكل أساس من الحكومة، محطّ الأنظار في الأيّام الأخيرة.هكذا، انتشر خبر «تهكير» (قرصنة) حساب «بانوراما» التابع للمهرجان على إنستغرام، بحيث نُشرت صوَر كُتب فيها بالإنكليزية أنّ «الإبادة إبادة. كلّنا متواطئون». واعتمد مخترقو الصفحة لغة توحي كأنّ إدارة المهرجان هي التي تخاطب جمهورها وتضع نفسها على كرسيّ الاعتراف، فورد أنّه «ردّاً على الإجراءات المؤيّدة لفلسطين التي استهدفت برليناله 2024، وفي ضوء الصعود المتزايد لليمين المتطرّف في ألمانيا، نعترف بأنّ صمتنا يجعلنا متواطئين في الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرّة في غزّة والتطهير العرقي لفلسطين. بعد مناقشات داخلية طويلة، قرّرنا أخيراً التخلّص من فكرة أنّ «الذنب الألماني» يعفينا من تاريخ بلادنا، أو جرائمنا الحالية كأمّة. نرفع صوتنا للانضمام إلى الملايين حول العالم الذين يطالبون بوقف فوري ودائم لإطلاق النار، ونحثّ المؤسّسات الثقافية الأخرى في ألمانيا على حذو حذونا». وأكمل المنشور: «من ماضينا النازي غير المحلول إلى حاضرنا الإبادي، لطالما كنّا على الجانب الخاطئ من التاريخ. ولكن لم يفت الأوان بعد لتغيير مستقبلنا».
سريعاً، أتى الردّ من إدارة المهرجان، فنشرت على صفحاتها الافتراضية بياناً قالت فيه «اليوم، نُشرت صوَر نصّية حول الحرب في الشرق الأوسط، مرفقةً بشعار برليناله، على حساب بانوراما على إنستغرام. هذه المنشورات لم تصدر عن المهرجان ولا تمثّل موقف برليناله. قمنا بحذفها على الفور وبدأنا التحقيق في كيفية وقوع هذا الحادث. كما سنوجّه اتّهامات جنائية ضد مجهولين». هذا الردّ المنحاز الذي يدّعي الحيادية، ووجه بردود الناشطين، بما في ذلك الألمانيّين، منتقدين بشكل خاصّ توصيف حرب الإبادة بأنّها «حرب في الشرق الأوسط».
وكان المهرجان قد واجه في الأيّام الأخيرة انتقادات من صهاينة بسبب إدانة عدد من الفنّانين المشاركين حرب الإبادة المستمرّة. من المنتقدين كان عمدة برلين كاي فيغنر الذي كتب يوم الأحد على X: «لا مكان لمعاداة السامية في برلين، وهذا ينطبق على الفنّانين أيضاً. ما حدث أمس في البرليناله مشهد لا يطاق»، مطالباً إدارة المهرجان بالمحاسبة، فيما قالت هيلغي ليند، وهي عضو البرلمان عن «الحزب الديمقراطي الاشتراكي» الذي يتزعمّه المستشار الألماني أولاف شولتز، لصحيفة «دي فيلت» الألمانية: «أشعر بالخجل من رؤية الناس في بلدي يصفّقون لاتّهام إسرائيل بالإبادة الجماعية». أمّا من أبرز الفنّانين الذين أدانوا مجازر الكيان فكان المخرج الأميركي بن راسل الذي صعد إلى المسرح مرتدياً كوفية فلسطينية، إضافةً إلى المخرج الفلسطيني باسل عدرا الذي فاز بجائزة لفيلمه الوثائقي «لا أرض أخرى» الذي يوثّق طرد الفلسطينيّين من الضفّة الغربية. واتّهم عدرا «إسرائيل» بارتكاب «مذبحة»، منتقداً مبيعات الأسلحة الألمانية إليها. وردّت إدارة المهرجان في حديث لوكالة «فرانس برس» بأنّ «تصريحات صانعي الأفلام مستقلّة ولا تمثّل بأيّ حال من الأحوال آراء المهرجان»، لكن يجب قبولها طالما أنّها «تحترم الإطار القانوني».