الشارقة| في دورته العاشرة، يعيد القيّمون على «بينالي الشارقة»، سوزان كوتر ورشا سلطي وهايك آيفزيان، طرح جدلية تداخل وسائط التعبير الفنية المعاصرة، في نتيجة موضوعية للتطورات التقنية الهائلة في حقول الفن المختلفة. لم يعد البينالي بهذا المعنى مجموعة معارض تشكيل، تفتح أبوابها للمختصين والمهتمين فقط، بل بات فضاءً أوسع، يتخذ من المدينة بمعالمها العمرانية المختلفة، منصةً لحوار فني.
يأتي البرنامج الموسيقي منسجماً مع هذا الفضاء الرحب، ليشمل الجاز الحر، والروك البديل، وصولاً إلى موسيقى الكناوى. أصوات ونوتات تخرج من غرب أفريقيا والشرق الأوسط، وتجول في أميركا وجنوب أوروبا لتعود مرةً أخرى نابضةً بدماء جديدة ومجدّدة.
«مقطوعة لبينالي» هو الاسم الذي يمثّل الهيكل الأساس للبرنامج الموسيقي في بينالي الشارقة العاشر. التجريب والمغامرة يبدوان السمة الأهم لهذه المقطوعة. ألان بيشوب، المهووس بتتبع أشكال الموسيقى الأكثر فرادةً عبر العالم، ومؤسس فرقة البانك Sun City Girls، يتعاون مع سام شلبي (18/ 3). يعدّ هذا الأخير من الشخصيات الرئيسة في مشهد الموسيقى المعاصرة في مونتريال، وهو معروف بتعاونه المتكرّر مع موسيقيين يمثلون أنماطاً مختلفة ومتباعدة أحياناً.
فيما تتعاون «الديفا» الموريتانية ديمي بنت أبا المعروفة بصوتها الصداح، بتأدية الأناشيد النبوية وتلوينها بنغمات مُذهلة، مع الموسيقي المغربي وعازف البيانو التجريبي أمينو بلياماني الذي جلبت له مقطوعاته الارتجالية شهرة واسعة (19/ 3). تعكس موسيقى بلياماني طيفاً واسعاً من التيارات الموسيقية التي لا تقتصر على الإيقاعات الأفريقية، بل تشمل الألحان العربية والجاز والموسيقى الغربية الكلاسيكية.
ويدشّن حفلات المهرجان في التاسعة من مساء اليوم، يوسف لطيف، عازف الساكسفون والفلوت الأميركي، والحائز جائزة «غرامي» عن تسجيله «سمفونيّة يوسف لطيف الصغيرة»، مع المعلم المراكشي عبد الكبير مرشان، أحد أنقى أصوات الكناوى الصوفية. يعود المخضرم يوسف لطيف ابن تينيسي الذي تأثر طويلاً بالأصول الأفريقية لموسيقى الجاز إلى غرب القارة الأم، حيث يتفاعل مع الكناوى، أحد أكثر أساليب الغناء جمالاً وخصوصية هناك.
وإلى جانب هذه الثنائيات الفريدة التي تشكل «مقطوعة لبينالي»، تحيي مغنية الأوبرا السورية نعمى عمران في السابعة والنصف من مساء اليوم أمسية مهداة إلى عمر أميرلاي السينمائي السوري الذي خلّف رحيله المفاجئ صدمةً كبيرة في الأوساط الثقافية العربية. في أمسيتها «قلبي يحدثني»، تواصل نعمى رحلتها المحمّلة بالأسئلة عن إمكانات الصوت وحدوده، وهي برحلتها هذه ترفض التأطير الذي يفرض على الصوت ويضعه ضمن قالب واحد. صوتها السوبرانو ينتشي لملمس القدّ الحلبي والدور والمونولوج، ويعيد اكتشاف إمكاناته في عوالم الجاز اللامنتهية. وهي هنا تعيد التأكيد أنّ رحلتها البحثية مستمرة، مصحوبةً أكثر فأكثر بالمتعة والاكتشاف.
يبدو البرنامج الموسيقي في «بينالي الشارقة» العاشر، الأكثر قدرةً على خوض الرهان المعقد المتمثل بخلق التواصل مع جمهور عريض، يعبّر عن تنوع ديموغرافي وثقافي ملحوظ، في مدينة ما زالت تحتفظ بخصوصية محلية وشرقية واضحة مقارنةً بجارتها دبي. الموسيقى بهذا المعنى تمثّل خياراً حيوياً للمشاركة في الجدل المشروع حول علاقة البينالي، بما هو أبرز منصات الفنون ما بعد الحداثية في المنطقة بالسياق الاجتماعي والاقتصادي الحاضن له. جدلٌ يعيدنا إلى كلمات كريستوفر بتلر في كتابه الموجز والمرجع «ما بعد الحداثة، مقدمة قصيرة جداً»، حين يسدي لنا النصيحة بأن نكون «على استعداد للنظر في كثير من أفكار ما بعد الحداثة على أنها مضطربة في أفضل أحوالها، ومجرّدة من الصدق في أسوأ الأحوال».



«بينالي الشارقة»: ابتداءً من مساء اليوم حتى 16 أيار (مايو) المقبل.
www.sharjahart.org/biennial