«رينيه ديك تموت جوعاً... نداء الى الرئيس»، عنوان خرجت به «النهار» في نهاية الشهر الماضي، أراد الكاتب عقل العويط، أن يطلق نداء، ويتحدث عن حالة الممثلة اللبنانية التي ــ كما قال ـــ «تموت جوعاً»، وتعيش العوز والفقر، وفي عزلة ولا يزورها أحد. مقال تحوّل الى قضية رأي عام، ركز ثقله على مواقع التواصل الإجتماعي، وبدأت عندئذ موجة استذكار لأعمال ديك الفنية، والسخط على الدولة التي أوصلتها الى هذه الحالة.
إذا ما وضعنا جانباً، الطريقة الإستجدائية والأسلوب، التي كتب فيها عن الممثلة القديرة، فإن التعاطي الإعلامي والشعبي معها على حدّ سواء، كشف عن حالة التردي في التعامل مع فنان وصل الى الشيخوخة، ويعيش مرارة الوحدة وثقل تأمين مستلزمات حياته اليومية والصحية. رينيه ديك، التي لم يذكرها هذا الإعلام، طيلة السنوات الماضية، ولم يذكر غيرها من أبناء وبنات جيلها، حضرت بقوة أخيراً، في مقابلات مع مواقع إلكترونية وتلفزيونية. خلقت الممثلة القديرة حالة عارمة على منصات التواصل الإجتماعي، قطفتها الشاشات، إذ ظهرت ديك أخيراً، على شاشة otv وتحديداً في برنامج «ع المكشوف»، وفي الليلة عينها على lbci، ضمن تقرير مقتضب وضع في نهاية الحلقة الأولى من الموسم الجديد لـ «هوا الحرية»، رغم تعليق جو معلوف قبيل البدء بالتقرير أن برنامجه أراد «وضع يده على أهم القضايا».
في «هوا الحرية»، دخلت كاميرا البرنامج الى منزلها، وظهرت ديك بهيئة المرأة المسنة المتعبة، التي أنهكتها السنون وتعب لسانها عن التعبير بوضوح عما تريد قوله. إذ أكدت أنها «مش ميتة من الجوع»، و«تعوّدت على الوحدة»، وأن إيقاف عملها في LAU، هو ما أوصلها الى حال تعيسة. وعلى الشاشة البرتقالية،حضرت الممثلة القديرة، في حالة صعبة، كأن شيخوختها قد أتعبتها، وأنهكت لسانها وقوتها الجسدية. لم تستطع محاورتها دانيا الحسيني أن تخرج بحديث ذي مستوى يرقى الى تاريخ ديك الفني، وحتى الشخصي. بدا طرح أسئلتها مراهقاً «زعلانة من الدولة؟»، وحتى الغائب عنها أي إحاطة بأحوال مهنة التمثيل والممثلين/ات. على سبيل المثال، سألتها الحسيني: «ما بتقبضو معاش؟»، «ما بتصمدو لآخرتكم؟»، وعقبت بالقول: «هالقد الممثل معتر بلبنان؟».
لم تع الحسيني، وحتى فريق الإعداد لديها، أن العديد من أهل الفن والثقافة دفعوا ثمن حياتهم وأكلاف إستشفائهم الباهظة، بسبب غياب أي معونة رسمية من الدولة، عدا التفاوت الهائل في الأجور لصالح الوجوه الجديدة، مقابل تدني وإهمال قصدي لكبار الفنانين، إذا ما سلمنا واقعاً بإقصاء شركات الإنتاج لهؤلاء ووضعهم خارج إطار هذه المهنة كلياً.
في المحصّلة، شكلت قضية رينيه ديك، التي تشبه قصص كثيرين، وكثيرات من الوسط الفني المرموق، الذي تركوا هذه الدنيا، أو ما زالوا يصارعون للبقاء بكراماتهم، المرآة التي كشفت عورة الميديا اللبنانية في التعاطي مع الملفات الإنسانية والاسماء ذات الارث الفني والبصمة الخالدة كرينيه ديك. تسابقت الشاشات على إستضافتها لأنها أصبحت حديث الناس، و«ترند»، على تويتر. لم يرق التعامل مع قضيتها الى ما يجب أن يكون، ويصل الى مصاف عطاءاتها. أسدل الستار عن رينيه ديك. تدخلّت وزارة الشؤون الإجتماعية لمساعدتها، وكشف معلوف أنه في صدد تقديم لها «مفاجأة» من إحدى الجامعات، ومساعدة من أحد الميسورين. انتهت القضية. ظلت رينيه ديك، حدثاً تلفزيونياً مؤقتاً، لم ولن تسع هذه القنوات وغيرها الى بناء إستراتيجية، لا تتكئ فقط على فقاعات المنصات الإجتماعية، بل تشتغل على تكريم أمثال رينيه ديك، وتقدم للمشاهدين صورة ناصعة عن تاريخها، خالية من أي إثارة للشفقة أو لوجه من وجوه الضعف والعجز كما حصل أخيراً.