تتناقل شبكات التواصل الإجتماعي مقاطع سخرية سياسية، تقدّمها الراقصة المصرية سما المصري، التي يتذكرها الشارع المصري (أكثر منه الشبكات الإجتماعية) بسخريتها (فارق كبير بين النقد والسخرية) اللاذعة للنخبة السياسية في فترة حكم الإخوان. خطاب سما يتميز بدرجة عالية من الإيحائية الجنسية، وإستخدام ألفاظ وحركات جسدية مبتذلة، وجنسية صريحة ومبطّنة. لكن موضوع حديثنا لا يتمحور حول سما أو خطابها، بقدر تطرّقه إلى إزدواجية المعايير في تناول تلك الظاهرة الإعلامية.
يعاني الوسط الفني المصري ما يعانيه الوسط الثقافي وخصوصاً النخبوي، من الأمراض القيمية التي أدت لإنفصاله عن الشارع الثوري (وليس الشارع المصري) منذ إمتحان «عيش/حرية/عدالة إجتماعية/كرامة إنسانية» في «25يناير» (تحت مظلة الثقافة تارة والدين تارة أخرى، وثالثة الوطنية). وقد أدت فوضى الصورة الإعلامية إلى تسويق ونشر تلك الأمراض المستبطنة إعلامياً أكثر في ظل الهوس بفكرة «الإرهاب/البطل المخلص». تقول إحدى المخرجات إنّ واجبنا باسم حرية التعبير وحرية الرأي أن نقبل سما المصري وطريقتها المبتذلة في التعبير عن «رأيها كما قبلنا رأي باسم يوسف» باعتبار أننا بعد الثورة يجب أن نقبل الرأي الآخر. (وهنا يتم القفز فوق الكثير من التساؤلات والدلالات عن بنية خطاب المصري وغيرها، ودلالة ذلك في جسد علاقات الإجتماع السياسي والنفسي والمخيال الجمعي المصري وغيرها مما ليس المتن ههنا موضعه).
هنا نجد نمطاً إستهلاكياً من ممارسة «حرية التعبير عن الرأي وتقبل الإختلاف»، فما دفع تلك المخرجة وغيرها للتحرك باسم حرية التعبير عن الرأي هو «نسبة المشاهدة» على اليوتيوب وشبكات التواصل الإجتماعي قبل كل شيء. ارتفاع نسبة مشاهدة وجوه إعلامية مثل سما المصري وتوفيق عكاشة وباسم يوسف وأحمد المغير قبلهم، وبعيداً عن مضامين خطاباتهم، لا بد من أن يعني شيئاً لجمهورهم أياً كانت نوعيته. وهذا ما يمكن ملاحظته في أكثر من موضع مثل: رد الفعل على منع باسم يوسف، وعودة عكاشة وما إلى ذلك، وتلك علاقة يمكن تفهمها ضمن إزدواجية: سلعة ومستهلك. من هنا يمكن النظر إلى ذلك من خلال نسبة تداول مقاطع المصري على الشبكات الإجتماعية، حتى على صفحات من يعارضون خطابها، فيصبح هنا السؤال الموضوعي هو: «أتقبل بنقد سما المصري؟» هو معيار «حرية التعبير والإختلاف» وليس خطاب المصري في ذاته.
لا شك في أن في ذلك إنتزاعاً لقيمة «حرية التعبير عن الرأي»، وجعلها صورة إعلامية يتم إستهلاكها وتدويرها وموضعتها معياراً للفكرة، لا قيمة الفكرة في ذاتها. المخرجة وخطابها (ومن أفلامها فيلم تسميه وثائقياً تناول إعتصام رابعة العدوية، بشكل لا يختلف كثيراً من حيث خطابه عن أفلام الغرب الأميركي عن الهنود الحمر) التي إنبرت فيه للدفاع عن حرية المصري في التعبير عن رأيها، قالت إن قبولنا لباسم يوسف يفترض علينا قبولًا لها، باعتبار ما يتشاركان فيه من إبتذال في التعابير الجسدية والإيحاءات الجنسية وغير ذلك، متهمة من لا يقبل بذلك بالإنفصام والإزدواجية في التعامل مع «حرية التعبير عن الرأي» و «قبول الإختلاف». ولا يملك المرء إلا أن يتساءل أكان على آلاف المعتقلين والصحافيين الذين أشار إليهم تقرير منظمة العفو الدولية وغيره، والمراهقات اللواتي إعتقلن وهن في سن الدراسة الأساسية، أو الخمسين قتيلاً (بعض الإحصاءات قالت 103، غير المعتقلين) في ذكرى «ثورة 25 يناير» الماضي (التي لا تقبل السيدة سما المصري بتسميتها ثورة!) وغيرهم، أن يهزوا أجسامهم/ ن بطريقة سما المصري أو أن يحركوا/ ن حواجبهم/ ن مثل باسم يوسف، أو أن يستخدموا رموزاً وعبارات ذات دلالة جنسية، لتقبل «مخرجة الأفلام الوثائقية (!)» الدفاع عن «حرية التعبير عن الرأي» و«قبول الإختلاف» لديهم، أم لأن هؤلاء لا يملكون «آي باد» أو «آي فون» يمكّنهم بسهولة من الولوج للإنترنت وتحميل «مقاطعهم»، فهم لاعلاقة لهم بالحرية أو لا يستحقونها أو لا يستطيعون دفع كلفتها. وهنا نتذكر مقولة الصحافي الأميركي توماس فريدمان في بدايات الثورة المصرية بأن الشعب العربي يثور لأنه لا يملك «آي باد» أو «آي فون»، وتكفل بتقديم الحل بأن ترمي الطائرات منتجات «آبل» على المتظاهرين وسيعودوا لبيوتهم (!). يبدو أن «عيش/ حرية/ عدالة إجتماعية/ كرامة إنسانية»، ليست من «التطبيقات» الموجودة على هواتف فريدمان ومخرجتنا الذكية.