الناظر إلى الوسوم المتصدّرة حالياً تويتر اللبناني، لا بد أن يلاحظ كمّ الانقسام العمودي الحادّ بين اللبنانيين. زاد هذا الشرخ مقتل حسين شلهوب وشقيقة زوجته في منطقة «الجية» بعد اصطدام السيارة بعوائق حديدية وأعمدة كهرباء ونجاة ابنته «نور». الحادثة المفجعة التي وقت صباح اليوم، لم تأخذ الحيّز نفسه لحوادث أخرى. فسادت الروايات المتضاربة على السوشال ميديا، بين تحميل قاطعي الطرقات المسؤولية، وبين رواية أخرى اشتغلت عليها بعض وسائل الإعلام لتحميل الجيش المسؤولية من خلال نشر خريطة تُظهر أنّ الحادث كان قريباً من حاجز للجيش وبعيداً عن قاطعي الطرقات.
بصرف النظر عن الرواية الحقيقية لما حدث (على الرغم من انتشار مقابلة مصوّرة مع الفتاة الناجية تؤكد فيه ارتطام جسم ما بالسيارة أحدث صوتاً يشبه الانفجار وأعاق حركتها)، فإنّ اللافت في التعاطي الإعلامي مع ما يحدث على الأرض هو كمّ الانحياز إلى قطّاع الطرق. وهذا ما بدا من خلال المصطلحات المستخدمة، وفي رفض التعاطي مع الوضع الحالي وتبرير قطع الطرقات، وحتّى وقوع الضحايا. هذا ما حصل اليوم مثلاً على قناة lbci التي قالت إنّ أحد قاطعي الطرقات اتّصل بالمحطة وأعلن تنصّل مجموعته من هذه الحادثة، قبل أن تضيف أنّهم حاولوا إطفاء النيران داخل السيارة لكنّهم لم يستطيعوا!


وعلى «الجديد»، خرج شاب آخر ليروي ما حدث. فأعاد سرد الرواية عينها على الهواء مع نشر المحطة الخريطة التي انتشرت وتُظهر البعد الجغرافي لقاطعي طريق الجيّة عن مكان الحادث. هكذا، تجنّدت القناتان حتى قبل تبيان حقيقة ما جرى لنشر رواية هؤلاء الشبان.
قبل ذلك، كنّا ليلاً أمام مشهد شارعَيْن في «الرينغ. حتى ساعات الفجر الأولى، تعمّدت بعض القنوات تبرير قطع الطريق وتسمية المشاركين فيه بـ«الثوار» و«المحتجّين»، مشيرة إلى ابتعادهم عن لغة الشتائم واستفزاز الشارع الآخر، بخلاف ما شاهدناه على lbci التي فُتح هواؤها وسُمعت هتافات المتجمهرين. فيما كانت الأصوات مكتومة على «الجديد» التي حاولت جاهدة، ترداد أنّ «الثورة سلمية» وأنّ «ثوارها» متعالون عن أيّ لغة تنزلق إلى الغوغائية.
هكذا، كرّست صورة مجتزأة للحدث، لتتحوّل القنوات إلى وسائل إعلامية لا تقيم توازناً في التغطية ولا تتمتّع بجرأة كافية لتدين قطع الطرق، وتفرِد مساحات لضحايا «الجيّة»، وتقول في الوقت نفسه إنّ المتجمهرين أيضاً بشر وتصدر عن ألسنتهم الشتائم واللغة الاستفزازية.