مع دخول الحرب السورية عامها العاشر، لا يزال عناصر الجيش السوري من أكبر دافعي ضرائبها. قدمت المؤسسة العسكرية في «سفربرلك» سوريا عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمفقودين، فيما يقف الناجون بالآلاف في طابور الانتظار على أمل صدور قرار بتسريحهم من الخدمة، خصوصاً مع عدم تحديد سقف زمني لهذا الواجب الوطني. ورغم صدور العديد من قرارات التسريح التي أفادت منها عدة دورات في الجيش السوري، فإنها لم تشمل الفئة الأكبر منهم سواء بالخدمة الإلزامية أو الاحتياطية، وبعضهم أتمّ تسع سنوات متواصلة من الخدمة، رغم أنها محددة بعام ونصف العام فقط وفق قانون خدمة العلم في سوريا.وبعدما وصل هؤلاء الشبان إلى مرحلة اليأس من الواقع، لجأوا إلى العالم الافتراضي، إذ أطلق الآلاف من عناصر الجيش السوري حملة جديدة بعنوان «بدنا نتسرح»، تهدف إلى إيصال صوتهم إلى المسؤولين وصنّاع القرار، يطالبون فيها بتسريح جميع عناصر الدورات القديمة، والعمل على إصدار قانون يحدّد سقف الخدمة الإلزامية. كما طالبت الحملة بتحسين ظروف العسكريين من حيث الطعام واللباس والرواتب بما يتناسب مع الوضع المعيشي، ما يشجّع الشبان الجدد على الالتحاق بصفوف الجيش وعدم الهجرة هرباً من أداء الخدمة.
واستخدم المعلقون هاشتاغ «#بدنا_نتسرح» في معظم الصفحات السورية على فايسبوك. كما شاركت في الحملة، بعض الصفحات الشهيرة في سوريا، ولاقت الحملة تأييداً واسعاً بين روّاد الموقع الأزرق.
ويناشد مطلقو الحملة الرئيس السوري بشار الأسد بالعمل على حلّ مشكلتهم، ومن أبرز مطالبهم تحديد الخدمة الإلزامية مع الاحتفاظ ثلاث سنوات، (أي سنة ونصف إلزامي وسنة ونصف احتفاظ كحد أقصى)، وتحديد الخدمة الاحتياطية بسنة ونصف كحد اقصى.
كما تطالب بالتسريح وإنهاء خدمة كل عسكري أتمّ أربع سنوات فما فوق مع الالزامي احتياط او احتفاظ وإنهاء خدمة كل عسكري محتفظ او احتياط تجاوز سن الثلاثين. وكذلك إنهاء خدمة الضباط المجندين من الخدمات الثابتة الذين تم تكسيرهم من رتبة ملازم إلى رتبة مساعد بسبب الخدمات الثابتة ولم يتسرحوا مع أبناء دوراتهم.
وطالبت الحملة بإنهاء خدمة الضباط المحتفظ بهم والاحتياط مع إنهاء خدمة الضباط الاحتياط مواليد ١٩٨١ وماقبل ممن لم يشملهم أمر التسيح الصادر بشباط عام ٢٠١٩ وإنهاء خدمة العساكر المعاقبين اداريا من الدورات القديمة.
أما بالنسبة للتعويضات،فقد طالبت الحملة بتعويض حقيقي قادر على تأمين سكن على الأقل أو تأمين العسكري في محل إقامته بسكن غرفة ومطبخ بمحل إقامته بدلاً عن التعويض النقدي، وإعطاء العساكر الموظفين لتعويضهم بعد الخدمة العسكرية مباشرة بدلاً من التأجيل لحين التقاعد من وظيفته المدنية.
هذه الآمال بالتسريح، وضع مسؤول سوري حداً لها قبل أيام، فقد أكد العقيد علي بلال من مديرية التجنيد العامة في سوريا عدم وجود قرار تسريح جديد، مما تسبّب في حالة إحباط شديدة في صفوف الجنود المتأملين بإنهاء خدمتهم الطويلة. كتب هؤلاء الشباب أحلامهم المتواضعة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي فمنهم من يحلم بالزواج وشراء منزل متواضع، بينما يقول بعضهم إنّ أكبر أحلامه أصبحت العودة سليماً معافى إلى الحياة المدنية.
ويقول هؤلاء إنه من غير المقبول بعد اليوم ترك سقف الخدمة العسكرية مفتوحاً وتركنا للمصير المجهول، فالوطن للجميع والدفاع عنه ليس حكراً علينا.
ويقارن بعضهم وضعه بالشباب السوريين الذين عبروا الحدود، وارتاحوا من ويلات الحرب، ويقول صحيح أن هؤلاء يعيشون مأساة الهجرة والإبعاد عن الوطن وراء البحار، ولكنهم يبنون حياة جديدة في أوروبا، بينما نحن هنا معرضون للموت أو الإعاقة في أي لحظة.
ويعيش خريجو الجامعات المأساة الأكبر، فمعظمهم نسي كل المعلومات التي تلّقاها في الجامعة في اختصاصه، ويبدو فاقداً للأمل بالحصول على فرصة عمل، وبعضهم اقترب عمره من أربعين عاماً.
ويرى هؤلاء أن التسهيلات التي قدمتها الحكومة السورية للمسرحين من خدمة العلم كالقروض وتلك المتعلقة بالوظائف تقف دونها شروط شبه تعجيزية. أما التعويضات والرواتب الهزيلة، فهي بالكاد تسد رمقهم، ويقول هؤلاء لا نريد التسريح فقط، نطالب الحكومة بتأمين وظائف لائقة لمن تبقى منا على قيد الحياة، ومن حقنا الحصول على تعويض مالي مجز كنهاية خدمة، لأننا سوف نبدأ حياتنا من الصفر.
يقول أحد هؤلاء الشباب: «قتلنا شبابنا في خدمة العلم، خضنا أعتى المعارك، وفينا من امتلأ جسده بشظايا الحرب، ومنا من ضحى بروحه، والمحظوظ عاد إلى أهله فاقداً إحدى أطرافه»، ويتابع متسائلاً: «ألم يحن أوان العودة إلى الحياة المدنية الطبيعية، كي نمارس أعمالنا التي نحب ونستطيع أن نخدم بها وطننا أكثر؟».