القاهرة | للشخصيات النسائية ما يقرب من نصيب الذكور في دراما رمضان 2021 ، بعدما ظلت البطولات النسائية لسنوات طويلة محصورة في عملين فقط تؤدي بطولة أحدهما سميرة أحمد، وبطولة الثاني يسرا، إلى أن انسحبت الأولى من الساحة منذ 11 عاماً مع آخر أعمالها «ماما في القسم» عام 2010.وصلنا عام 2021 مع عشرة مسلسلات من بطولة ممثلات في بطولات مطلقة، وثلاثة أعمال تتقاسم المرأة بطولتها مع الرجل. كما شهد الموسم خروج نجمتين من السباق في اللحظات الأخيرة هما روبي في مسلسل «شقة 6» و«دنيا سمير غانم» في مسلسل «عالم موازي» لأسباب قهرية.
لكنّ الأمر لا يتعلق فقط بكم البطولات، وإنما أيضاً بالصورة التي ظهرت بها النساء في هذه المسلسلات. بعدما اعتدنا على وجود المرأة كتابع للرجل لا تقدم ولا تؤخر في الأحداث إلا في ما ندر، وانساقت المرأة – البطلة وراء قصص السيدة المقهورة، المغلوبة على أمرها، التي تضحّي من أجل الحب أو الأبناء، نجدها الآن تتمتّع بمقدار من الجرأة غير المعتادة. فهي تخطط وتقرر وتنفذ، لا تتردد ولا تخشى ولا تندم. قوية، عنيفة، صامدة، ترد الضربة باثنتين، وثلاث وأحياناً بأربع.
المثال الأبرز هو مسلسل «لعبة نيوتن» (تأليف وإخراج تامر محسن). هنا نجد أنفسنا أمام نموذج شبه تقليدي للمرأة المصرية العادية، أو الأقل من العادية، التي لا يمكن توقع منها أي فعل من الأفعال التي ترتكبها. ولعل هذا ما حقّق للمسلسل شعبية كبيرة وترقباً استمرا مع المشاهدين منذ الحلقات الأولى. فــ «هنا» (منى زكي) في الأحداث هي من يُطلق عليها بالمصري «امرأة خايبة»، ضعيفة، لا تستطيع أن تتصرف أو تحقق أي إنجاز بمفردها، لا تعتمد على نفسها وتعول دائماً على الآخرين، والآخرون يراوحون من الوالدين إلى الزوج وحتى الأبناء. «هنا» التي تحولت حياتها وشخصيتها بعد مكالمة مهينة من زوجها، تستمر في الطريق الذي اختارته. ومع كل رسالة إساءة تصلها من الزوج، تزداد قوةً. وكلما ارتفع الصوت، يتصاعد العناد والتشبث برأيها وقرارها، وإن كانت قرارات غبية أو غير مدروسة. «هنا» تتمرد على الإهانة وإن دفعت الثمن، تسبّ وتلعن زوجها جهاراً وبمنتهى القوة. ترد الاعتبار لذاتها وتدافع عن كرامتها المهانة... من ناحية أخرى ولكن بمستوى فني أضعف بكثير كتابةً وإخراجاً، وعلى عكس بطلتنا الخائرة القوى من الخارج الشديدة البأس من الداخل، نجد «غزل» (ياسمين عبدالعزيز) في «اللي مالوش كبير» (تأليف عمرو محمد ياسين ــ إخراج مصطفى فكري). تواجه البطلة الهشاشة داخلها، بالإفراط في الاستعراض بخلفيتها الشعبية في وصلات من «الردح» لتشعر مَن أمامها بمدى صلابتها المزيفة. يسيطر عليها رجلها ويقبض بأسنانه على عنقها ويلوي ذراعها بنفوذه المادي على أسرتها الفقيرة. بطلتا المسلسلين واقعتان بين رجلين، أحدهما صالح والآخر طالح، والرجلان تجمعهما النظرة نفسها إلى المرأة، فلا يرون فيها سوى عقل عقيم يحمله جسد هزيل.
وكعادتها، تستمر يسرا من خلال مسلسل «حرب أهلية» (تأليف أحمد عادل سلطان ـ إخراج سامح عبدالعزيز)، في طرح تيمة الترابط والتمزق العائلي والمكائد والانتقام. لكن انتقام يسرا لا يؤخذ على محمل الجد من المتفرجين، ربما لأنه ليس مقنعاً درامياً، أو ربما لأنّه ليس دموياً بشكل كاف، مثل الانتقام الذي تمارسه غادة عبدالرازق في مسلسل «لحم غزال» (تأليف أياد ابراهيم ـ إخراج محمد أسامة)، بعدما تحولت غادة إلى «نادية جندي الدراما»، وتسعى مثلها لاستنفاد كل أنواع وأشكال الانتقام من الرجال.
في «ضد الكسر» (إخراج أحمد خالد)، تلعب نيللي كريم دور امرأة «مودرن»، أولاً من حيث المهنة التي تحترفها وهي «يوتيوبر» و«تيك تور»، وهي نوعية من المهن الحديثة التي أصبحت تلجأ إليها النساء في مصر والعالم، بخاصة أنّها تحقق عائداً مادياً كبيراً صار في زمننا هو ميزان الحكم على البشر، وبخلفيتها – كشبه نصابة – تصل سلمى إلى الترف المادي فتفرض سيطرتها على عائلتها، وترفض تقبل خيانة زوجها الذي لا تحتاج إلى نقوده، فهي مستقلة مادياً، ما يشجعها على أن تطلّقه وتصفع الباب خلفه وهي في كامل قوتها.
من ناحية أخرى، تقف «زيزي» (أمينة خليل) في «خلي بالك من زيزي» (إخراج كريم الشناوي) في بداية العمل في مشهد عاطفي تستجدي عطف زوجها حتى يفتح لها باب بيتها وهو يصر على أن تغادر حياته، آمراً إياها «امشي»، فتردّ مغلوبة على أمرها «أمشي اروح فين؟». لكن زيزي تتغير وتظهر قوتها عندما تقف في المحكمة لتعلن – زيفاً – أمام الناس أن هذا الزوج «عاجز جنسياً»، وتمضي بعد الطلاق في حياتها تعمل وتحبّ وتنسى الماضي. هذه النماذج وغيرها تقدم دروساً لنساء وفتيات مصر والعالم العربي، بأن القوة هي السبيل الوحيد للحياة، وأن المرأة لم تعد تابعة ولا أسيرة للرجل.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا