أن تسأل عن «سينما دمشق» الواقعة على كتف «حيّ الأميركان» في مدينة اللاذقية، ستتوه حتماً، لأن البناء الأثري القديم صار ببساطة «سوبر ماركت»! وللمعلومة، الحيّ العريق هو قسم من منطقة «الكاملية» أحد أقدم أحياء المدينة الساحلية، وقد حمل اسمه من أيّام البعثات التبشيرية الأميركية في القرن الثامن عشر، ورصف أوّل شارع في المدينة بالحصى، وفتحت فيه منذ ذاك الوقت أولى مدارس الإناث الأميركية، بعدما عمّرت بحجارة لونها وردي. وحتى اليوم هناك جزء منها قائم، بعدما تحول إلى مستشفى، ونادٍ موسيقي، بينما ظل قسم منه مدرسة. اليوم ما زال شارع الأميركان محافظاً على بعض معالمه، كما أنه يحتفظ برقيّه بسبب سكّانه، وكثافة المحلّات التجارية، والمطاعم السياحية فيه... أمر جعله مقصداً لكلّ متسول ومحتاج، أو بائع جوّال، وطفل يبحث عن حظّه ببيع بضاعته البسيطة لمرتادي المقاهي. الشارع الحيوي مع بعض المعالم الأخرى، سيوصل رسالة واضحة للقادم إلى اللاذقية كزائر، بأنه كان يظلم المدينة كلّما كان يختصرها بالبحر والطبيعة الخلابة فقط، رغم أن ذلك ليس بقليل، لكن وقع اللاذقية الرصين، سيترك أثره البليغ في النفس، بعيداً عن المظاهر الطارئة والبشعة التي اكتسحتها خلال سنوات الحرب!في أحد المقاهي المواجهة لسينما دمشق، ستكون «لالا» النجمة العابرة للجلسات الطويلة. «لالا» هي مشرّدة خفيفة الظل، دمثة، تأخذ مسافة تباعد صريحة مع محدّثيها، ولا تطلب أيّ شيء. كما أنها لا ترد هدية مهما علت أو قلّت قيمتها! هي فقط تعطي جرعة طاقة، وتصنع منفذاً ومتنفّساً لاستمرار الحياة رغم أنّ كلّ شيء كالح، ثم تمضي سريعاً! كيف لا تفعل ذلك ولكل امرئ من اسمه نصيب، ومردّ اسم دلعها باللغة العربية الفصحى قد يكون الفعل لألأ، وتعني أشرق النجم وأضاء، أو ذَرْف الدموع على الخدين مثل اللؤلؤ! وكم من اسم مكرّس ونجم تلفزيوني منحته السماء كلّ شيء، لكنّ وجوده ما زال يوازي طاقة سلبية مكتملة المعالم!
«لالا» يمكن لها أن تغني أيضاً، فقط إذا كان من يطلب منها شخص وسيم من وجهة نظرها. هكذا، قررت أن تقطف مقطعاً لنا من رائعة عبد الحليم حافظ «حاول تفتكرني» (كلمات محمّد حمزة وألحان بليغ حمدي، غنّاها «العندليب» لأوّل مرّة سنة 1973) وتحديداً مقطع «تعال» الراسخ في الوجدان الجمعي للجمهور العربي من «السمعية». وبأقل من دقيقة نضحت «لالا» إحساساً عميقاً، وطغت عليها، وعلى مستمعيها الحالة الإيجابية! البعض يقول بأنها تملك ثروة في البنك! سألنا عن المبلغ، قالوا قرابة 18 مليون ليرة سورية (حوالي 6 آلاف دولار أميركي)! لكم أن تتخيلّوا عتبة الأحلام السورية كم انحدرت بفعل الدمار والحرب والحصار، وما هو الرقم الذي صار يعتبره العامة ثروة!