الحديث عن الشام وأهلها اليوم ليس مجرّد شعارات غوغائية تفيد زوراً أننا صامدون. الفكرة الحقيقية ساطعة كشمس آب! سكّان هذه البلاد مفطورون على الحياة. مهما قست الظروف ورجحت كفة الموت والحصار، والتهاوي الخدمي، سيبقى الفرح أصيلاً في يومياتهم، أو على الأقل، هذا ما تطمح له غالبيتهم. مجرّد أن يبزغ ملمح له علاقة بالمتعة وتخفيف وطأة ما يحدث من معاناة سيتلقّفونه، كأنه الخلاص المطلق. هكذا، تعامل جمهور كرة السلّة السورية مع المباريات النهائية للدوري المحلي في اللعبة العريقة. رغم أن الصالات مترنحة، خدماتها تشي بأننا في العصور الجاهلية! الأرضيات تصلح لأن تستخدم هذه الصالات كمستودعات لتخزين الحبوب في أفضل الأحوال! الساعات الإلكترونية غطّت في نوم عميق! التكييف: قل للزمان ارجع يا زمان! علماً بأن كرة السلة لا يمكن أن تلعب قانوناً إلا في صالة حرارتها 26 درجة تحديداً، أما الكهرباء فحتى رغم تواصل قناة «سما الفضائية» الناقلة الحصرية للدوري مع وزير الكهرباء غسّان الزامل، والطلب منه تغذية متواصلة لمدة ساعة واحدة زمن المباراة تقريباً، سيعجز عن ذلك رغم وعده القطعي بتلبية الطلب! الرياضة حالة تحتاجها البلاد أكثر من أي شيء آخر اليوم. الأمر مفروغ منه مجرّد أن تنهي مشاهدة لعبة وتقف في أحد الطوابير، لتسمع أحاديث الناس عن المباريات وعتبهم الصريح على ناديهم.«الفاينال فور» تحوّلت لحديث الشارع السوري، أحد الأسباب في ذلك اكتشاف البلاد أنها تملك معلّقاً رياضيّاً محترفاً على سوية رفيعة اسمه عمر حسّينو وهو من قدامى لاعبي كرة السلة وقد حرّك أجواء المباريات بتعليق حيوي رشيق ودقيق، وصل به الانفعال في بعض الأحيان للصراخ حتى بحّ صوته، والبكاء الحقيقي وهو يرى الصالات تمتلئ رغّم كل شيء. البطولة جمعت الأندية الأربعة المتصدرة للدوري وهي الاتحاد الحلبي، والجيش اللذان غادرا البطولة لترسو المباراة النهائية على الكرامة الحمصي والوحدة الدمشقي. الحديث عن مشجعي النادي الأخير مسألة محسومة. مهما صار، وكيفما كانت أحوال العاصمة، سيكون الجمهور على الموعد في صالة الفيحاء. البرتقالي الصريح يموّج المدرّج كأنه طوفان من مطرح افتراضي يصنع يومياته بالغرافييك! هتافات تندّي القلب، وتمنحها جرعة مفرطة من السلام والرعشة: «الليلة، الليلة جينا، كرمال نشجّع نادينا، أورانج الشام ملوك العقلية، والدم الأورانجي ماشي فينا» فيرد جمهور الكرامة: «حاجة تقولوا الآه... حاجة تقولوا الآه، هذا الكرامة لا تلعب ويّاه» الكرامة ذاته الذي حقق يوما ما أيّام المدرّب محمد قويض إنجازات كروية رفيعة، فيما يحكى عن جمهوره العجب! كيف لا، وهو جمهور مدينة حمص «عاصمة الفكاهة السورية» التي أحالتها الحرب لمدينة منكوبة يسيل من أطرافها الدماء والخراب، لكن مازال جمهور الكرامة هنا يزحف إلى الصالة قبيل المباراة بست ساعات. صالة حمص كارثة حقيقية. انقطع النفس فيها خلال مباراة الكرامية والاتحاد، فهرع متطوعو الهلال الأحمر للإنقاذ. هؤلاء يستحقون الانحناء وهم يبلسمون الوجع ويمنحونه دفقة صريحة من التعافي منذ اندلاع الكارثة سنة 2011 حتى اليوم. ربما يحتاجون تنويهاً صريحاً يتفوّق على ما فعله الكادر الطبي في ملاعب أوروبا يوم وقع إريكسون مهاجم فريق الدنمارك قبل أسابيع، وتوقّف قلبه وتم انقاذه، فولعت السوشال ميديا والعالم كلّه بالمديح للفريق الطبي وتجهيزات الملعب. ترى من يمتدح مسعفي الهلال الأحمر في حمص وهو يحيلون الموت إلى ابتسامة ساطعة كما حصل في مباريات كرة سلّة كانت أشبه بالانتحار، وعلى نفس الهيئة ستلعب يوم الجمعة المقبل المباراة الختامية في الدوري السوري؟!