مع بزوخ فجر الأحد، استفاق اللبنانيون على فاجعة بلدة «التليل» في عكار، مع وقوع ما يشبه المحرقة هناك، جراء انفجار خزانات الوقود التي أوقعت عشرات الضحايا بين قتيل وجريح ومفقود. الحادث الذي هزّ لبنان مجدداً، وقورن بما حدث في الرابع من آب من العام الماضي، سرعان ما انتشرت صور ضحاياه على وسائل التواصل الإجتماعي وبعض القنوات المحلية، التي واكبت الفاجعة منذ ساعات الصباح الأولى. محرقة عكار التي لم تحسم بعد أسبابها والمسؤول عن هذه المجزرة إزاء الروايات المتضاربة، حملها الساسة طيلة نهار أمس، وبدأت حرب البيانات بين الأحزاب، والشخصيات المشبته في تورطها في عمليات التخزين والتهريب، لتنتقل بعدها الى الشاشات، التي استثمرت في الدم كما الطبقة السياسية، وخالفت بالجملة قواعد المهنة وأخلاقياتها. قناة «الجديد» التي اتهمت في مقدمة أخبارها المسائية، السياسيين بـ«الرقص السياسي على تلال محترقة» في «التليل»، و بـ «قلة الحياء»، و«التنكيل بالجثث»، كانت تمارس ما اتهمت به على الهواء مباشرة. هكذا، راحت تعرض صور الجثث المتفحمة التي نقلتها سيارات الدفاع المدني، وتكرر بثها على الهواء من دون أي خجل من حرمة الموتى وعوائلهم، اضافة الى تسييسها هذه الكارثة، عبر التصويب على رئاسة الجمهورية. إذ طالعنا شادي خليفة، بعد تلاوته بيان عون، بأن الأخير قد بشّر بـ «جهنم» ربطاً بما حدث في «التليل» في وقت كانت فيه البلدة الشمالية تحاول لملمة جراحها وأشلاء مصابيها. لم تكتف المحطة بهذا القدر من استثمار الدماء، إذ كان ملاحظاً تجنيد فريق البرنامج الصباحي في تغطية الحدث السياسي. البرنامج «اللايت» المعني بشؤون الغناء والمكياج والموضة، بات مقدموه مراسلين على الأرض يتنقلون بين المستشفيات ومنازل عوائل الشهداء. وكما خرقت المحطة حرمة الموتى، راحت أيضاً تتنقل بين المستشفيات التي استقبلت الجرحى بين طرابلس وبيروت، وتستصرح بعضهم على الهواء، وتقتحم كذلك منازل الأهالي المفجوعين، وتعاين الكاميرا الأماكن الأكثر فقراً في لبنان، وتستصرح الأم المكلومة والأب المفجوع وتستغل بساطة هذه العائلات التي فقدت أحبتها. في هذا الوقت، كانت lbci، مشهدية مختلفة، توصلنا الى المعلومة من دون أن تلجأ الى طرق غير أخلاقية. المحطة التي كانت من بين وسائل إعلام قليلة على تماس مباشر مع مكان الإنفجار، وأفردت ساعات لنقل ما يحدث في البلدة من حالة غضب عارم واحراق منزل أحد المشتبه بهم في الحادثة، رفضت الدخول الى المستشفيات وتصوير الجرحى، واكتفت برسائل من خارج حرمها، واتكأت على معلومات «الصليب الأحمر» وباقي الأطقم الطبية لمواكبة حالات هؤلاء... في وقت كانت فيه «مستشفى الجعيتاوي» المتخصصة في معالجة الحروق، تطلب من وسائل الإعلام الخروج وترك الجرحى وعوائلهم. وعلى مقلب mtv، التي عدّلت قليلاً في برمجتها ولم تفرد مساحات واسعة للحدث، كان التركيز في الدرجة الأولى على قضية التهريب الى سوريا، وبالطبع أقحمت المحطة «حزب الله»، في حادثة عكار، كما كان متوقعاً. إذ طالعنا نخلة عضيمي في تقرير «خاص» عن مسار عمليات التهريب الى سوريا، وفي نهاية الشريط، نشر صوراً ادعى أنها من منطقة «الحدث» في الضاحية الجنوبية، وقال بأنها تحوي خزانات وقود تحت الأرض ومحمية من قبل «حزب الله»، ويمكن أن تنفجر في اي لحظة في «منطقة مأهولة»! وفيما كان الإستثمار السياسي في أوجه بين الأطراف الحزبية، يتراقص على جثث أهل مناطق الشمال، والتصويب بشكل أساسي على رئاسة الجمهورية ودعوته الى الرحيل، نأت otv بنفسها، عن النقل المباشر في النهار، وراحت تبث نقلاً عن زميلتها lbci، ومساء، افردت القناة البرتقالية مقدمة أخبار نارية لم تسم فيها الأطراف التي تتهمها بالإستغال السياسي والتجارة بالدماء، ونهب الثروات، مع لهجة مرتفعة استخدمت فيها عبارة «ارحل» لهؤلاء، على غرار ما استخدمته قوى سياسية تجاه عون.