أمس الخميس، استضافت الإعلامية منار صبّاغ ضمن برنامج «بانوراما اليوم» على «المنار» الباحث السياسي اللبناني هادي قبيسي، تحت عنوان «عن السفارة الأميركية بين الظاهر الوقح والباطن الخطير». تناولت الحلقة بالتحليل والشرح الوافي الدور الرئيس الذي تلعبه السفارة الأميركية والسفيرة دوروثي شيا في التدخل في الشأن والسياسة اللبنانية: ما هو برنامجها؟ ما هو عملها؟ ما هي مهام موظفيها على المستويات كافة؟ كيف ينسّق هؤلاء؟ ومع من؟سلّط البرنامج الضوء على هذه الأسئلة وغيرها، من دون أن ينسى «جيش أميركا» الجديد المتلطّي خلف ستار «المجتمع المدني» ومنظّماته (NGOs). «نعرف أن السفارة الأميركية تدير هذه الحرب، وأنّها الوكر المباشر الذي تُدار منه هذه الحرب الاقتصادية والإعلامية. السفارة الأميركية التي تقف خلف هذا التجييش الإعلامي للبنانيين على بعضهم. هذه السفارة الموجودة في عوكر ليست سفارة تمثيل دبلوماسي، بل تآمر وتواطؤ على شعب لبنان». بهذه الكلمات التي قالها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، يبدأ البرنامج بالولوج إلى ماهية الدور الذي تلعبه السفارة الأميركية في لبنان. تحدّث قبيسي عن «الأثرياء الجدد» (مدراء وموظفو الـ NGOs اليوم في لبنان)، وعن عمل فريق سفارة «العم سام» في لبنان، شارحاً أنّ المواد حول السفارة الأميركية متوافرة بكثرة من خلال وثائق منشورة. وشرح تعبير «الاستراتيجية المدمجة» (استراتيجية العمل الرسمية للسفارة الأميركية في لبنان)، وهي «وثيقة» متوافرة على موقعها. «كتبت النص هذا العام دوروثي شيا مع فريق عملها، وقدّمته للإدارة الأميركية للموافقة عليه». وعرض البرنامج مقطعاً من «الوثيقة» أمام المشاهدين: «تعمل مهمتنا في دولة ذات توجه غربي على الحافة الجيوستراتيجية لشرق البحر المتوسط، محصورة بين إسرائيل، التي يجب أن تدافع عن مصالحها الأمنية المستمرة التي يشكلها حزب الله والجهات المعادية الأخرى، وسوريا. لا يزال تأثير حزب الله، وهو منظمة إرهابية أجنبية مصنفة من قبل الولايات المتحدة، خبيثاً بشكلٍ خاص، حيث تعمل الجماعة بناء على طلب من راعيتها الإيرانية لتوسيع وجودها العسكري والسياسي والاقتصادي والأمني الخبيث مع تقويض قدرة اللبنانيين على البقاء وأمنهم». في إطار شرح الجملة الأولى من النص، استشهد قبيسي بوثائق «ويكيليكس» التي تشير إلى رسالة بعثها مسؤول الاستخبارات الدفاعية في الكيان الصهيوني، يوسي بيدس، في 28 شباط (فبراير) الماضي، إلى السفارة الأميركية في تل أبيب، مؤكداً أنّ لديه «معلومات حول صواريخ تنقل من سوريا إلى لبنان، فنرجو المتابعة». بعد ثلاثة أيام، تقام جلسة في السفارة الأميركية في لبنان لمتابعة هذه الصواريخ، ويتم الاتصال بالمسؤولين سواء اللبنانيين أو السوريين؛ والتأكيد أنّ الأمر مقلق للسفارة ويجب متابعته بالوسائل كافة. هنا، يوضح قبيسي: «يظهر دور هذه السفارة وموقع لبنان لديها»، مؤكّداً أنّ السفارة ومن خلفها أميركا واجبها «أن تساعد إسرئيل كي تدافع عن نفسها».
أما حول المقطع الثاني من النص، فيشير قبيسي إلى أنّ حزب الله تقريباً موجود في كل أدبيات وملفات ووثائق السفارة الأميركية كما في دورها وسلوكياتها. بالدخول إلى العمق، يشرح «بانوراما» اليوم كيف أنّ الأميركي لا يرى «شراكة» مع لبنان، إنما مع موظفين داخل الدولة ووسائل إعلام وموظفين في المجتمع المدني، مع محاولة اختراق الدولة والسيطرة عليها بشكل خفي. «فالسياسة الأميركية لا تبحث عن شركاء، بل عن دول خاضعة، تابعة، منهوبة»، بحسب قبيسي. «ثم ما دخل موظف سياسات في بنك ما أو مسؤولة في وزارة اقتصاد لمقابلة السفيرة الأميركية أو زيارة السفارة الأميركية؟». ثم ينتقل قبيسي إلى تعبير «السلوك الخبيث للدول» مشيراً إلى أنّ الوثائق تقصد روسيا والصين، متسائلاً: ما هو هذا الدور الخبيث؟ وأين يوجد؟ وكيف؟ ويجيب أنّ سلوك الصينيين أو الروس هو «تقديم عروض»، موضحاً أنّ الأميركيين يقولون إنهم تدخلوا غير مرة لمنع قبول لبنان بالعروض الصينية والروسية سواء في السلاح أو الكهرباء أو غيرها.
على جانبٍ آخر، يغوص البرنامج في موقع السفارة وقاعدتها، مشيراً إلى أنّ «حجم السفارة» الكبير يطرح أسئلة عدة، من بينها إذا ما كانت ستتحوّل يوماً إلى قاعدة عسكرية.
ويسأل قبيسي: «السفارة الأميركية لم تقصّر في عملها في لبنان، إذاً لماذا يُصار إلى توسيعها إلى هذا الحجم؟ خصوصاً أنّها متوسطة الحجم». ويشرح كيف أنّ الأميركي يعتبر أنه «يدير هذه البلاد» من خلال تسمية الجهة التي تتبع لها السفارة بكلمتي country director: «تمتلك السفارة جيشاً من الموظفين الرسميين الأميركيين الذين يتبعون لوزارات عدة كما جهات أمنية أميركية (كالـ FBI والـ CIA)». وتحدّث عن أدوار الضباط فيها، بدءاً من الضابط السياسي مروراً بالاقتصادي ووصولاً إلى ضابط الدبلوماسية العامة.
فالاستراتيجية الأميركية تنفّذ من خلال العلاقات العامة التي يقوم بها هؤلاء الضباط الذين «يتعدّون على السيادة اللبنانية»، وفق قبيسي. ويغوص البرنامج في الدور الذي تلعبه السفارة، مستعيناً بوثيقة «ويكيليكس» عن جلوس الضابط الاقتصادي الأميركي (2 شباط 2010) مع جيلبير نجّار مسؤول التوظيف في شركتي الخليوي حول شروط «تجديد العقد» لهاتين الجهتين. هنا، يشير قبيسي ساخراً إلى أنّه «تشعرين بأن السفير الأميركي يريد أن يعرف عن لبنان، ويسهر عليه».
تقدّم حلقة «بانوراما اليوم» تغطية تعرية لدور السفارة الأميركية في البلاد، وتتميّز بأنّها «توثيقية» بامتياز، شأن معظم أعمال منار صبّاغ. فمحتواها لا يفضح أميركا فحسب بمقدار ما يُظهر الدور التخريبي الهائل الذي تقوم به سفاراتها في المنطقة.