في واقع تراجع الحضور الإذاعيّ الناتج عن هيمنة الميديا على جميع مفاصل الحياة، تطالعنا الإعلاميّة الإذاعيّة هيام حموي بشكلٍ متتابع، وبزخمٍ مثابر قلّ نظيره، ببرامج تنجح دائماً بتوقيعها ببصمتها المميّزة وحضورها القيّم. تابع مستمعو إذاعة «شام. أف. أم» السوريّة في شهر رمضان الماضي برنامج «موسيقى كمان وكمان» الذي قدّمته حموي يرافقها في الإخراج حسام العاتكي، وها نحن اليوم أمام تجربة إذاعية جديدة من توقيع حموي أيضاً بعنوان «دفاتر قمر 14» (يذاع كل جمعة وسبت).في دعوة إلى سحر الموسيقى، غذّت هيام مسامع جمهورها بسلسلة حلقات من «موسيقا كمان وكمان»، التي خصّصتها لقراءة بعضٍ من تاريخ آلة الكمان، فأغنت معرفتنا حول الكثير من عازفيها وأمتعت ذائقتنا. وهي، حموي، إذ لا تكتفي بأن تعرض لنا بصوتها الموسيقيّ إذاعيّاً إرثاً موسيقيّاً، لربما اكتشف أحدنا أنّه لم يسبق أن إطلع عليه من قبل، فإنها تعطينا كمّاً من المعلومات التي تراكم فعلنا الثقافي.
تواشجٍ لم يغب مرّةً عن أداء هيام حموي المتميّز، المدعّم بالخبرة، في جميع برامجها التي أُرشِفت عبر مسيرة عملها في محطاتٍ إذاعيّة دوليّة ومحليّة مختلفة. هي تشكّل حالةً من الخصوصيّة، حقّقت للصوت شخصيّته الخاصة، وغدت منهجيّتها الملتزمة القيّمة معياراً للعمل الإذاعيّ. وقد تَكَرّسَ ذلك في برنامجها الحالي، وليس الأوحد، «دفاتر قمر 14». هنا تحمل دفاتر القمر المكتملة هذه، قيم الوفاء والتنوّع والمتابعة واستعادة الذاكرة، ما يحمل لنا من المفاجأة، وكذلك المتعة.
عودٌ على ذي بدء! لربما كان من الجدير بالاهتمام اعتبار النموذج الذي حقّقته هيام حموي، منهجاً تعليميّاً يُدَرّس في الإعلام الإذاعيّ، لعلّنا نحقّق شيئاً من الإصلاح، أو الترميم في الخراب الذي يعمّ عوالمنا السمعيّة، ويؤجّج فينا رغبة الوصول إلى المعنى في جوهر القيمة المعرفة بمُتعتها، وتلوّنها وموسيقيّتها التي تكاد تغيب بالمطلق عن الكثير من الآذان... إلّا ما رحمت الأصالة!