مع تبدّي ملامح انهيار الدولة اللبنانية بكل تفرعاتها، اقتصادياً ونقدياً، وسياسياً وحتى اجتماعياً، شهر الإعلام اللبناني هذه المرة سيف القضاء، مع دخول هذا النوع من البرامج الى الشاشات، بعد سطوة الترفيه وحتى المساحات الإخبارية السياسية. في الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، طرحت nbn، برنامج «المشّرع» (تقديم:خليل حمود)، الأسبوعي، الذي يضيء على العمل التشريعي في المجلس النيابي، وعلى القوانين التي أقرت ولم تطبَّق. كذلك يدخل البرنامج في السؤال عن قانون الإنتخاب الحالي، ودوائره، وتفاصيل العملية الإنتخابية المقبلة. هذا في الظاهر، لكن في العمق، يتولى «المشّرع» الدفاع عن عمل المجلس النيابي، ويحاول دحض صفة التعطيل المتهم بها، وأيضاً غياب التشريع، مع ضيوفه في الاستديو. يعتمد البرنامج الذي يمتد على خمسين دقيقة تقريباً، على طرح القوانين التي أقرّت وتلك المؤجلة، مع الشخصيات المعنية، مع تمرير واضح لرسائل سياسية، تحاول صناعة صورة مثالية عن العمل التشريعي في لبنان، ورمي الكرة في ملعب الحكومة التي تلكأت في اقرار القوانين. هذا على ضفة nbn، أما على شاشة mtv، فإطلاق برنامج يعنى بالشأن القضائي أيضاً، لكن، هذه المرة، مصوّر على طريقة تلفزيون الواقع. برنامج «في المحكمة» (تقديم: سمير يوسف)، الذي انطلق بداية الشهر الحالي، يأخذنا الى داخل قاعات المحاكم في لبنان، وينقل من هناك مجريات الجلسات مع المتهمين والمدعين الحقيقيين، بإذن من «مجلس القضاء الأعلى» للمرة الأولى في لبنان. تكشف أمام المشاهد وجوه وأسماء وقضايا جنحية واخرى جنائية، وتفاصيل الأحكام والمفاوضات التي تحصل بين المدعي والمدعى عليه. في استهلالية البرنامج، يلفت القائمون عليه إلى أن «في المحكمة» يهدف الى توعية الناس حقوقياً، وحثهم على اللجوء الى القضاء لنيل حقهم، مع دخول الكاميرات قاعات المحاكم في مختلف محافظات لبنان. وفي الحلقات الثلاث التي عرضت ليلة كل سبت، تعريف بمكان المحكمة، وبالقضية المطروحة (سرقة، تشهير، اقامة غير شرعية، احتيال..)، وبطبيعة الحكم الصادر عن القاضي. في الحلقات، يظهر القضاة وكتّاب المحكمة، وحتى المتهمون والمدعون عليهم بوجوههم الحقيقية، ما خلا بعض الحالات التي يعمد فيها البرنامج الى تمويه الوجوه في حال طلب أصحابها تورية هوياتهم. نصف ساعة تقريباً، مدة الحلقة التلفزيونية الواحدة، التي حجزت لها مكاناً نهار السبت، اي الليلة المخصصة عادة للسهرات والترفيه، وإذ بنا، أمام مادة قضائية، تتسلل اليها في بعض الأحيان صفة التلصص، والتسلية، بما أنّ بعض القضايا تحتمل اثارة فضول المشاهد لمتابعة كيفية حصول السرقة من سيارة الأجرة مثلاً، أو حصول شجار بين رجلين بسبب امرأة! طيلة الحلقات المعروضة، بقي البرنامج تحت سقف قضايا عادية، لا ترتقي الى منسوب خطورة في الكشف عن تفاصيلها. في المحصلة، يقرّبنا «في المحكمة» من مسار المحاكمات في لبنان، وطبيعة العمل القضائي، لكنه في المقابل لا يخلو من بعض نكهات الترفيه.