ما كادت ترتسم ملامح ملابسات جريمة مذبحة «أنصار» التي راحت ضحيتها أربع نساء قتلن بدم بارد قبل أكثر من أسبوعين، حتى قفزت أمامنا من جديد المخالفات الإعلامية التي باتت تؤكد في كل مرة بأن الجرائم في لبنان مكتوب عليها أن تسلك إعلامياً طريقاً مخالفاً لأخلاقيات هذه المهنة. مع بدء تكشّف خيوط هذه الجريمة، والعثور على جثث الضحايا في خراج البلدة، بعد اختفائهن والتبليغ عن الحادثة، تشعبت القضية التي اتخذت في البداية منحى ذكورياً عنيفاً على السوشال ميديا، واندرجت ضمن «قضايا الشرف»، الى زوايا أخرى عُمل على إشعال الإثارة التلفزيونية فيها، وتشريع شريعة الغاب مع العثور على شريك القاتل الذي لاذ بقاعاً. هكذا، تصدرت هذه المذبحة حديث الناس في الأيام الأخيرة لهولها وبشاعتها، ولخسارة أبناء البلدة الجنوبية أربع نساء كنّ كما أظهرت صوّرهن على المنصات الإجتماعية، متمسكات بالحياة ويبتسمن لها. لعلّ «الجديد» القناة الأبرز التي اتسمت تغطيتها بالفقاعة وبخرق أخلاقيات التغطية التلفزيونية، وضربت بعرض الحائط أي حرمة لعائلة الضحايا. فقد كان لافتاً، قبل يومين عرض القناة في نشرتها الإخبارية تقريراً مطوّلاً فاق الست دقائق، عن الجريمة وتفاصيلها، ودخول الكاميرا منزل الضحايا، ونشر المحطة صورهن الشخصية الموضوعة على الحائط والأغراض المبعثرة على إحدى الطاولات وقد تضمنت جوازات سفر، وهويات شخصية، وشهادات مدرسية ووسائد تشي بتشجيع الضحايا لفريقيّ «الأنصار» و«النجمة». تفاصيل لن تفيد بالطبع المشاهد ولا القضاء، بل إنّها تنحصر فقط في إطار خرق حرمة منزل الضحايا والعبث بالأغراض وعرضها على الرأي العام. لم تكتف المحطة بهذا القدر، من خرق لأخلاقيات المهنة، بل لجأت أمس، في تقرير إخباري ثان عن الجريمة، الى نشر استصراح (قام به المعدّ محمد فرحات)، يتضمن عرضاً من أحد المشيعين لقتل الجاني في نفس مكان الجريمة. المحطة هنا، لم تقم بفلترة الإستصراحات التي تتخذ في مثل هذه المواقف طابعاً حاداً وعنفياً، بل اختارت هذا التصريح لعرضه رغم خطورة مضمونه. وفي الساعات الأخيرة، ومع القبض على الشريك في الجريمة السوري الجنسية، الذي توارى بقاعاً، بدأت المنصات الإعلامية والإفتراضية بنشر صوره والتهليل لإقدام أحدهم على ضربه ضرباً مبرحاً وعرض صورته مدمى على السوشال ميديا. تزامناً، تنافست القنوات على عرض وثائق شخصية خاصة بالقاتل. على سبيل المثال، أقدمت mtv، على نشر صورة عن هويته الشخصية، مرفقة بفيديو قصير يظهر طريقة الإيقاع به هاتفياً. كذلك فعلت «الجديد» التي تصدّرت موقعها الإلكتروني صورة عن جواز سفره، وأخرى تظهر القاتل ملقى فيها على الأرض تسيل من وجهه الدماء. وعلى المنوال عينه، انتشرت هذه الصور والوثائق على باقي المواقع الإلكترونية (lebanon Debate، lebanon 24...)، في خرق فاضح لمسار التحقيق القضائي ولأخلاقيات المهنة، وتشريع للغة العنف والتهليل لها. تبقى الأسئلة مشرعة حول دوافع هذه الجريمة المروعة، التي يبدو أن ضحاياها وقعن أيضاً (ومرةً اخرى) ضحية للإعلام وللأصوات الذكورية المبررة للجريمة، وأيضاً لبعض المتعطشين للغة الدم والعنف!