كأنّ موادّ التحريض لم تعد تكفي القنوات المهيمنة من أجل الاستثمار السياسي. جاءت حادثة شاطئ صيدا لتكتمل الصورة، ولتصبح بمثابة حقّ يراد به باطل. وصودف أنّ تسعير الحملة حولها كان في اليوم نفسه من تنفيذ حزب الله مناورةً عسكرية على مرأى صحافيّين حول العالم، ما أعطى القنوات حجّة تستخدمها في تحريضها الطائفي، ولا سيّما mtv. هكذا، لعبت مقدّمة mtv، على الوتر الطائفي ولو تحت شعارات «الانفتاح» و«الدولة»، فربطت الموضوعَين بـ«سيطرة المتشدّدين» على الدولة. «الدولة الضعيفة السائبة تعلّم الناس التنمّر والاستقواء، وتجعل كلّ فريق في الوطن يعتقد أنّه الدولة، وتغريه ليخترع دولة على ذوقه ومزاجه. هذا بالضبط ما حصل اليوم، إن في صيدا أو في عرمتى»؟ وأكملت: «أسئلة كثيرة تُطرح: من نصّب هيئة دينية متشدّدة، قيّمة على أخلاق مدينة ومجتمع ووطن؟ وكيف يسمح رجال دين متشددون لأنفسهم أن يعتدوا على الحرّيات العامة؟». الجزء الثاني من المقدّمة كان لربط الموضوع بمناورة حزب الله، فتناست القناة مَن المستهدف، وفاتها حجم القوّة الردعية التي يتمتّع بها لبنان بوجه كيان محتلّ كان يدّعي امتلاك «أقوى جيش في المنطقة»، وتغاضت عن أنّ ما حصل كان فوق موقع بئر كلّاب الذي كان أنشأه العدو مع جيش لحد، أو ربّما هذا كان مكمن غضبها. فقالت: «في عرمتى الوضع ليس أفضل حالاً. (...) المناورة تدلّ أنّ الحزب لم يعُد يبالي بتاتاً بالسلطة اللبنانية الشرعية، ولم يعُد يراعي حتى أقلّ الشكليات! (...) من صيدا إلى عرمتى ملامح دويلات وكانتونات تتشكّل في ظلّ دولة ضعيفة وعاجزة. فهل هذا ما يريد المتشدّدون؟ زوال الدولة اللبنانية لتحلّ مكانها دويلات على غرار دويلة المتشدّدين الدينيّين في صيدا ودويلة حمَلة السلاح في عرمتى؟».على ضفّة «الجديد»، اعتمدت الأخيرة لغة أقلّ طائفية وأكثر «علمانية» لمعارضة «المتشدّدين»، فذكّرت صيدا بـ«القضاء على ظاهرة أحمد الأسير» وبـ«الثورة»، وهاجمت البلدية كما فعلت mtv، وأظهرت حيادية في ما خصّ المناورة العسكرية، فيما اغتنمت LBCI الفرصة للمقارنة مع دول خليجية، ومجدّداً ضمن «حقّ يراد به باطل». حذت حذو mtv في استغلال المناورة العسكرية سياسيّاً، فكانت مقدّمتها: «بين «سنمنع» و«سنعبر»، عاش اللبنانيون ساعات عصيبة: الشيخ حسام العيلاني، من شاطئ صيدا، يعلن «سنمنع النزول بلباس البحر». السيد هاشم صفي الدين، من معسكر لحزب الله قرب مليتا، يعلن «سنعبر» في إشارة إلى العبور في اتّجاه فلسطين. وبين المنع والعبور، يفتّش اللبناني عن الدولة على شاطئ صيدا، فلا يجدها، ويفتّش عنها في معسكر حزب الله قرب مليتا، فلا يجدها». وهنا كانت المقارنة مع دول أخرى: «طالما أنّ الحديث عن قمّة جدة، هل اطّلع جماعة «سنمنع» و«سنعبر» على ماذا يتحقّق في المملكة وفي سائر دول الخليج؟ هل تابعوا خارطة طريق «رؤية 2030»؟ هل يعرفون أين أصبحت السياحة في السعودية وفي الإمارات وفي قطر، والانفتاح الذي تحقّق حتى الآن؟ هل سألوا أصدقاء أو أقاربَ لهم يعيشون هناك، أين أصبحت تلك الدول؟ وأين يقف لبنان؟». هكذا إذاً ثبّتت LBCI اصطفافها المستجدّ على العلن، ولم تخجل من القول إنّ «السياحة» أهمّ من تحرير الأرض (اللبنانية المحتلّة) والموارد والدفاع عن النفس وامتلاك عنصر قوّة في وجه احتلال لا إنسانية لديه، وتناست أنّ الدول التي ذكرتها ليس لديها عدوّ مشابه على حدودها، يطمع بأرضها ومواردها ويستهدف سكّانها وبناها التحتية ويعمل على إضعافها منذ أكثر من نصف قرن على الأقلّ.
لا حملة تكتمل من دون مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً على تويتر حيث يتّجه اللبنانيون لنشر أحقادهم على بعضهم الآخر، فبلغ التحريض المذهبي والطائفي أَوْجَهُ، وكانت دعوات صريحة إلى العودة إلى زمن الميليشيات والاقتتال الداخلي. ما حصل في صيدا مرفوض في كلّ الأحوال، ويحقّ لأيّ كان ارتيادُ أيّ شاطئ على اختلاف الملبس والعرق والطائفة... لكنّ خوف القنوات كان في مكان آخر، وقد جاءت المناورة في اليوم ذاته لتعرّيه.