رفعت مجموعة من الكتّاب، بقيادة جورج آر آر مارتن، مبتكر السلسلة الروائية الخيالية «أغنية الجليد والنار» (A Song of Ice and Fire) التي تستند إليها الملحمة الدرامية الفانتازية «صراع العروش» (HBO)، دعوى قضائية ضد OpenAI مالكة «تشات جي بي تي». يعتبر الكتّاب أنّ OpenAI استخدمت أعمالهم من دون إذن لتدريب ChatGPT، الذي بدوره قد ينتج نصوصاً مشابهة لأعمالهم وبالتالي يصبحوا عاطلين من العمل. هي أزمة جديدة تُضاف إلى احتجاجات كتّاب السيناريوات في هوليوود ضد استخدام شركات الإنتاج لأنظمة الذكاء الاصطناعي.
رسم عبر الذكاء الاصطناعي بواسطة محرّك «بينغ»

تزعم الدعوى القضائية أنّ ChatGPT انتهك حقوق المؤلّفين الحصرية من خلال إنشاء أعمال غير مصرّح بها ومشتقة بناءً على كتبهم. تستشهد الدعوى القضائية بمثال قام فيه ChatGPT بإنشاء مخطط أوّلي غير مصرّح به ومفصّل لقصة مشتقة من مسلسل «صراع العروش»، تحكي عن عصر قبل الذي شاهدناه في المسلسل. وكانت بعنوان A Dawn of Direwolves واستخدمت شخصيات كتب مارتن الحالية في سلسلة «أغنية الجليد والنار». وفي بيان أصدرته يوم الأربعاء الماضي، قالت الرئيسة التنفيذية لـ «نقابة المؤلفين الأميركية»، ماري راسنبرجغر، إنّه «من الضروري أن نوقف هذه السرقة وإلا فإنّنا سندمّر ثقافتنا الأدبية المذهلة، التي تغذي العديد من الصناعات الإبداعية الأخرى في الولايات المتحدة. الكتب العظيمة عادة ما يكتبها أولئك الذين يقضون حياتهم المهنية، بل حياتهم كلّها، في التعلّم وصقل مهاراتهم». وتابعت أنّه في سبيل «الحفاظ على أدبنا، يجب أن يكون لدى المؤلفين القدرة على التحكم فيما إذا كانت أعمالهم ستُستخدم من قبل الذكاء الاصطناعي التوليدي (مثلChatGPT) أم لا». ويسعى المؤلفون إلى إصدار أمر قضائي لمنع OpenAI من استخدام أعمالهم لأي غرض، بالإضافة إلى تعويضات مالية عن الانتهاكات الماضية والمستقبلية. ويتهمون الشركة بـ «السرقة الممنهجة على نطاق واسع» و«استغلال العمل الإبداعي للآخرين لتحقيق المكاسب والمجد».
من جهتها، صرّحت OpenAI بأنّها تعمل بشكل تعاوني مع المؤلّفين وأنّها تحترم القيود والاستثناءات لقانون حقوق الطبع والنشر. وذكّرت أيضاً بأنّ ChatGPT هي أداة بحث تهدف إلى تطوير مجال معالجة اللغة الطبيعية وتمكين التطبيقات والخدمات الجديدة من أجل الصالح العام. ودافعت OpenAI عن نتائج البحث عبر ChatGPT باعتبارها استخداماً «عادلاً»، بحجة أنّها «أصلية للغاية، ولا يمكن التنبؤ بها»، وأنّها لا تحل محل الأعمال الأصلية أو تتنافس معها، ولكنّها «تضيف قيمة وتنوعاً إلى المشهد الثقافي». وأشارت أيضاً إلى أنّ نتائج البحث عبر ChatGPT سريعة الزوال ولا يتم تخزينها أو توزيعها بواسطة OpenAI، وأنّ المستخدمين مسؤولون عن تفاعلاتهم الخاصة مع النظام.
تثير الدعوى القضائية تساؤلات مهمة حول الآثار القانونية والأخلاقية للمحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي، مثل من يملكه ومن يتحكم به ومن المسؤول عنه. كما أنها تسلّط الضوء على تحديات تطبيق قوانين حقوق النشر الحالية على مجال الذكاء الاصطناعي الجديد والمتطور بسرعة. ومن المتوقع أن تُعرض القضية على المحكمة في عام 2024، ما لم يتوصل الطرفان إلى تسوية قبل ذلك. وهنا لا بد من الإشارة إلى أمر مشابه قليلاً يحصل مع منصات التواصل الاجتماعي. ففي قانون آداب الاتصالات الأميركية والذي أُقرّ عام 1996، تنصّ المادة 230 على أنّ المنصات الموجودة على الإنترنت لا تتحمل مسؤولية قانونية عمّا ينشره المستخدمون عبرها. وفي حين يرى الخبراء أنّ هذه المادة سمحت في خلق شبكة الإنترنت التي نستخدمها اليوم، إلا أنّها لا تزال محط جدل كبير بحيث تسمح للمنصات بحذف أو تشجيع الوصول إلى محتوى قد يخدم سياسات معينة. من هنا، لا يبدو أنّ قضية الكتّاب الأميركيين قد تصل إلى نتيجة سعيدة بالنسبة إليهم، وخصوصاً أن المنطق الذي يحاججون به، إذا ما طبقناه على البشر، فسيبدو سخيفاً. مثلاً، هل يمكن لنا أن نحاكم أفراداً تعلّموا ودرسوا في كتب معينة، فاكتسبوا معلومات وأدبيات تلك المؤلّفات، ثم عندما كتب هؤلاء الأشخاص نصوصاً خاصة بهم، استخدموا أموراً مشابهة لما تلقنوه من الكتب؟ هل من المنطقي مقاضاة هؤلاء؟ هذا ما يحاول الكتّاب الأميركيون فعله اليوم. ولا يمكن منطقياً محاكمة الذكاء الاصطناعي لأنّه تدرّب عبر روايات معينة. ما هو ممكن هنا، أن يُطلب من ChatGPT مثلاً أن يكون حذراً عندما يطلب منه المستخدم نصوصاً مشابهة لإحدى الروايات، وأن لا يقع في خانة سرقة محتوى. ولكن في الوقت نفسه، هل يمكن لنا أن نمنع شخصاً نحادثه من استخدام مصطلحات أو فكرة قرأها في إحدى الكتب؟ الأمور بالغة التعقيد. وتحتاج إلى دراسة معمّقة قبل إصدار أي حكم أو قوانين تشريعية في هذا المجال، وخصوصاً أنّه إذا ما تخيلنا الذكاء الاصطناعي الحالي بمثابة طفل يكتشف ما حوله ويتعلّم من المحادثات ومن محتوى الإنترنت، فإنّ إيقاف عملية تدريبه يمكن أن تكون لها نتائج وخيمة على مستقبل الـ AI والإبداع.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يرفع فيها المؤلفون دعوى قضائية ضد OpenAI. ففي وقت سابق من الشهر الحالي، رفعت مجموعة من المؤلفين، ومن بينهم مايكل شابون وديفيد هنري هوانغ، دعوى قضائية ضدّ الشركة نفسها بتهمة «الانتهاك الواضح للملكية الفكرية». وفي آب (أغسطس) الماضي، طلبت OpenAI من قاضٍ فيدرالي في كاليفورنيا رفض دعويين قضائيتين مماثلتين، إحداهما تتعلق بالممثلة الكوميدية سارة سيلفرمان والأخرى من المؤلّف بول تريمبلاي. وقالت OpenAI حينها إن الدعاوى «تسيء فهم نطاق حقوق الطبع والنشر، وتفشل في مراعاة القيود والاستثناءات (بما في ذلك الاستخدام العادل) التي تترك مجالاً مناسباً للابتكارات مثل نماذج اللغات الكبيرة التي أصبحت الآن في طليعة الذكاء الاصطناعي».
ووفقاً لتقرير نشره موقع «يو أس آي توداي»، يوم الأربعاء الماضي، فإنّ أكبر بائع للكتب في العالم عبر الإنترنت، «أمازون»، بات يطلب من الكتّاب الذين يرغبون في نشر إنتاجاتهم عبر برنامج Kindle Direct الخاص به، أن يخطروا الشركة مسبقاً بأنّهم يضمّنون محتوى أنشئ بواسطة الذكاء الاصطناعي. وحدّدت «أمازون» أيضاً عدداً معيّناً للكتب التي يمكن أن ينشرها المؤلفون في يوم واحد عبر منصتها، في محاولة منها لتقييد انتشار النصوص المؤلفة عبر الـ AI.
تقدّم قضية الكتّاب لمحة عمّا سيحصل مع دخول الـ AI ميادين أخرى


وعلى المقلب الآخر، آلاف كتاب السينما والتلفزيون المضربين في هوليوود منذ أيار (مايو) الماضي مطالبين بتحسين أجورهم والحصول على مكافآت أفضل عن كل عمل لهم يحقق نجاحاً وضمانات من الذكاء الاصطناعي، أعلنوا أمس الإثنين عن توصّلهم إلى اتفاق مع الاستوديوات المنتجة. وقد يدفعهم ذلك إلى استئناف عملهم. في هذا السياق، نشرت «نقابة كتّاب السيناريو» رسالة إلى أعضائها، قالت فيها: «يمكننا القول بفخر إنّ هذا الاتفاق استثنائي، مع توفيره مكاسب كبيرة وحماية لكتّاب السيناريو في مختلف القطاعات التي يعملون فيها». وأضافت النقابة: «لنكن واضحين، لا ينبغي على أحد استئناف عمله ما دامت النقابة لم تجز ذلك بشكل صريح. لا نزال مضربين حتى ذلك الحين. لكننّا علّقنا الاعتصامات اعتباراً من اليوم». ومن غير الواضح ما هي البنود التي اتفقوا عليها، وما هي الضمانات التي ستقرّ لحمايتهم من أنظمة الذكاء الاصطناعي. أما الممثلون فكما الكتّاب، يطالبون بضمانات في شأن استخدام الذكاء الاصطناعي، إذ يخشى الممثلون استنساخ صورهم أو أصواتهم. وحتى اللحظة إضراب الممثلين مستمر.
الواضح مما جرى، أن إضراب الكتاب حصل بسبب خوفهم على مستقبلهم المهني، وربما قوت يومهم. فعندما ينظرون من حولهم، يجدون شركات إنتاج في هوليوود بدأت تستخدم أفراداً ضليعين في التعامل مع أنظمة الـ AI، وكتاباً ينشرون ثلاثة كتب في اليوم عبر «أمازون». عملياً، كيف يمكن لمن لا يستخدم تلك الأنظمة أن ينافس هؤلاء؟ الأمر غير ممكن. هذا يفوق القدرة البشرية. وربما نجح كتاب هوليوود في تحسين شروط عملهم وحماية مستقبلهم من الآلة، لكن هذه القضية ستكون قضية كلّ منا في وظيفته قريباً. أمس الكتّاب، وغداً ربّما المحامون والمعالجون النفسيون وربما حتى الأطباء!