يوم الأحد عند الساعة الواحدة من بعد الظهر، سار جندي في سلاح الجو الأميركي، يدعى آرون بوشنل، لمدة 30 ثانية نحو سفارة «إسرائيل» في واشنطن، وخلال سيره كان ممسكاً بقارورة تحوي سائلاً ما، وسجل فيديو لنفسه قائلاً: «أنا عنصر في سلاح الجو الأميركي. ولن أكون متواطئاً بعد الآن في الإبادة الجماعية. سأنخرط في فعل متطرف للتظاهر، ولكن مقارنة بما يمر به الناس في فلسطين على يد المستعمر فهو ليس عملاً متطرفاً على الإطلاق»، مضيفاً «هذا ما قررت طبقتنا الحاكمة أنه طبيعي». وعندما وصل أمام بوابة السفارة الإسرائيلية، وضع الكاميرا مقابله على الأرض وارتدى قبعته لتصبح بذلته العسكرية الأميركية مكتملة، ثم سكب ما يوجد في القارورة على نفسه، ليتضح أنه نوع من المواد المشتعلة وأضرم النار بجسده وصرخ «فلسطين حرة». استمر صراخه لتحرير فلسطين نحو دقيقة وهو يذوب واقفاً على قدميه، قبل أن يهوي أرضاً ويُطفئ نيرانه أفراد من الخدمة السرية. نُقل إلى المستشفى بواسطة رجال الإطفاء في حالة خطيرة ومهددة للحياة، ليفارق الحياة في وقت لاحق، متأثراً بجراحه. وأكد متحدث باسم القوات الجوية الأميركية أن الحادث يتعلق بطيار في الخدمة الفعلية. حادثة آرون بوشنل غير عادية. بمعزل عن أن الانقسام السياسي في الولايات المتحدة حاد جداً إلى درجة يبدو كأن هناك شعبين، وعلى الرغم من كُره جزء لا يستهان به من الشعب أفراد الشرطة وحتى مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، إلا أنه في العقلية الأميركية، الجندي شخص مُحترم ومبجّل بشكل كبير من غالبية الناس. بوشنل كان مهندس برمجيات في سلاح الجو. عمره 25 عاماً، ينتمي إلى فئة الجيل Z التي نزلت شوارع الغرب منذ تشرين الأول الماضي (أكتوبر) ضد حرب الإبادة والتطهير العرقي التي تمارسه قوات الاحتلال الإسرائيلي على شعب غزة. علماً أنها ليست المرة الأولى التي ينتفض فيها أحد أبناء الإمبراطورية الأميركية في وجه سياستها في فلسطين، ونذكر الناشطة الأميركية راشيل كوري، التي قتلها جيش الاحتلال عام 2003 عبر دهسها بجرافة عسكرية إسرائيلية أثناء محاولتها منع هدم منزل فلسطيني في رفح. لكن هناك شيء مختلف مع آرون بوشنل. مشهد احتراقه مرتدياً البزة العسكرية ليس بالأمر السهل، وطوال اليوم الإثنين تصدّر اسمه قائمة الهاشتاغز على منصة X في الولايات المتحدة، بالإضافة لصعود عبارة «فلسطين حرة» قائمة منصة التواصل.
منصة X تحولت فجأة إلى ساحة عزاء رقمية، وكان الأمر ليبقى في هذه الحدود لولا تغريدة نشرها حساب الموساد تقول «أعداؤنا يقتلون أنفسهم» مع صورة آرون بوشنل وهو يحترق. ثم عاد الموساد ومحا التغريدة ليضع أخرى تحوي الفيديو الكامل الذي صوره آرون بوشنل مرفقة بعبارة «جندي من سلاح الجو الأميركي يُشعل النار في نفسه احتجاجاً على إسرائيل. يا له من أبله». وهنا، اشتعلت النيران مجدداً، ليس في جسد الجندي، انما على منصات التواصل، من X إلى Reddit وتويتش التي بث آرون بوشنل الفيديو بشكل مباشر عبرها أولاً.
تصاعد غضب شعب الإنترنت الأميركي عندما وجد أن غالبية وسائل الإعلام السائدة (رويترز، سي أن أن، نيويورك تايمز، واشنطن بوست) تحدثت عن إضرام بوشنل النار في نفسه بدون ذكر السبب. وتفاجأ الجمهور الأميركي بمسارعة الإعلام العبري والمؤثرين الصهاينة على منصات التواصل باعتبار آرون بوشنل مصاباً باعتلال عقلي. ولا تزال النزاعات دائرة في منصة X عقب ذلك، وكان لافتاً انضمام عدد كبير من الأميركيين للدفاع عن جنديهم الذي رأوا فيه بطلاً استطاع من خلال ما فعل أن يعيد التذكير بما يحصل مع الشعب الفلسطيني.
الحادثة تأتي وسط تزايد الاحتجاجات في الولايات المتحدة ضد حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول الماضي. وكانت سفارة «إسرائيل» في واشنطن هدفاً للاحتجاجات المستمرة.