أكثر من عشرين مسلسلاً سوريّاً ستُعرض هذا الموسم، ولكن الحقيقة تشي بغير ذلك. فأهمّ الأعمال، أي «تاج»، أُنتج بمال mbc، عدا أعمال مشتركة تتولّى إنتاجها شركات لبنانية، ومسلسلات كاسدة من موسم سابق وأخرى صناعة «تايوانية». هذا الموسم إعلان صريح على انتهاء حلم تحوّل الدراما في سوريا إلى صناعة، أو ربما دخولها في موت سريريّ، تماماً كما ماتت مفاصل البلاد بعد حرب طويلة وحصار اقتصادي، وعقوبات خانقة. السبب في ما نقوله أنّ عدد الأعمال المنتجة محلياً بمال سوريّ لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، علماً أنّها تنضوي في موضوعاتها على حالة من الادّعاء وتزييف الواقع، كما تجنح نحو صراعات غريبة على ميراث ضائع وهواجس لا تعني المشاهد السوري أصلاً، وتشوبها المبالغة بقصد تسوّل الجماهيريّة الآنية وتكريس مطلق لمفهوم الاستهلاك. ما يحتاجه الجمهور السوري واضح: أعمال لا تدير ظهرها لآلام الناس وأوجاعهم وقضاياهم الصغرى! إذ لن يفيد أن نشاهد «أولاد بديعة» وهم يتقاتلون على الميراث، ولا بطولات «عبدو العربجي» الفانتازية، ولا ذكريات الراقصات المتقاعدات في «الصديقات»، بينما يصطفّ الناس بالطوابير لتحصيل المازوت والغاز والخبز ووسائل النقل. نقرأ أثناء كتابة هذه السطور عن أبٍ قتل أبناءه وانتحر في ريف دمشق، لأنّه لم يجد سبيلاً للعيش في البلد. باختصار، موسمٌ دراميٌّ لا يتخّذ من هذا الرجل مثالاً لنسج قصّته وتقديمها إلى الناس لا يعوّل عليه!

تشارك سوزان نجم الدين في «الصديقات»

بات السعي المحموم وراء «الترند» ولو على حساب القيمة، بمنزلة سلوك سنوي في كثير من المسلسلات الرمضانية السورية. لذا، يتوجّب دوماً مواجهة هذه الظاهرة بشكل نقدي، والتذكير الدائم بأنّ الدراما التلفزيونية في مصر والعالم، صارت فنّاً متقدماً يحمل قيمة وازنة، تنضوي على تكثيف سينمائي، وتخلق له نوعية وفرادة في التعاطي. من المؤكد أنه بفعل التراكم، سترتقي تلك الدراما حتماً بذائقة المشاهد، وتأخذ بيده بعيداً عن سخافة ما تمطره به غالبية محتويات السوشال ميديا. في سياق متصل، يتهاوى تقليد الثلاثين حلقة، في حين أنّ وحدهما المنتجين السوري واللبناني ما زالا يتمسّكان به بما يحوّل المسلسلات مساحات شاسعة من الحشو والإطالة التي تبدو سمة عامة في غالبية مسلسلات موسم الصوم.

سلافة معمار (سكّر) في «ولاد بديعة»

عموماً سنكون هذا الشهر أمام أعمال اجتماعية تتخذ من مواضيع حساسة وجريئة جوهراً أساسياً. البداية ستكون مع «الصديقات» (تأليف أحمد السيد وإخراج محمد زهير رجب ـ بطولة: سوزان نجم الدين، صباح الجزائري، صفاء سلطان، نظلي الرواس، إمارات رزق، رنا شميس، ديمة الجندي، روعة السعدي، فايز قزق، فاتح سلمان ــ حصرياً على منصّة vew والقنوات السورية). يقدّم هذا العمل الوجه الآخر للراقصات، مضيئاً على جوانب إنسانية إيجابية في شخصيتهن، بشكلٍ يجرّب إيصال رسالة تنفي النظرة الدونية السائدة عنهن في المجتمع. تنطلق الحكاية من تشابك حياة خمس راقصات قبل خمسة وعشرين عاماً، وسيتعاقب الزمن منذ بدايتهن حتى نهاية مسيرتهن الحافلة، مع مراعاة الاختلاف في تفاصيل كل شخصية وتباينها الحاد عن الأخرى، من دون إغفال البحث عن السبب الذي جعل كل واحدة منهن تصل إلى المكان الذي هي عليه في القصة. وإن تقاطعت الأسباب التي طرحت ربما في أعمال سينمائية عربية سابقة، فإن صنّاع العمل على حدّ زعمهم يجرّبون التفرّد في صوغ تلك الأسباب، ولو كانت هي ذاتها التي وقفت وراء كل شخصية وجعلتها تصل إلى احتراف مهنة الرقص. كما تجمع الراقصات علاقة صداقة متينة جعلتهن يقفن معاً في وجه الظلم لمدة تناهز الثلاثين عاماً.
تنطلق قصة «مال القبّان» من سوق الهال في دمشق


أما «ولاد بديعة» (إخراج رشا شربتجي، كتابة علي وجيه ويامن حجلي ـ إنتاج شركة «بينتالنس» ــ بطولة: سلافة معمار، محمود نصر، سامر إسماعيل، إمارات رزق، روزينا لاذقاني، فادي صبيح، ديمة الجندي، محمد حداقي، لين غرة، يامن حجلي، لينا حوارنة ـ قنوات mbc، و«شاهد») فهو حكاية اجتماعية معاصرة تدور في زمن حاضر وتعود إلى الماضي في ومضات محددة، تندلع من صراع على الميراث بين أولاد رجل تزوّج مرتين وأنجب من زوجتيه، ولكن حياة أولاده ستذهب إلى مآلات ملوثة بعد الثراء الفاحش الذي حصلوا عليه بعد وفاة والدهم، وتآمرت غالبيتهم على أحدهم... ثم يتّخذ التصاعد الدرامي من سوق المدابغ وورشات صباغة الجلد وصناعته بالقرب من نهر بردى في دمشق، مسرحاً رئيسياً له، ليترك فرصة تسليط الضوء على الصراع بين الدباغين والفلاحين. وللكاتبين نفسيهما نتابع مسلسل «مال القبّان» (إخراج سيف السبيعي ــ بطولة بسّام كوسا، وسلاف فواخرجي، وخالد القيش، وسعد مينه، وحلا رجب، ووسام رضا، ويامن حجلي، وبلال مارتيني، والراحل محمد قنوع - صوّر العام قبل الماضي ويعرض هذا العام على التلفزيون السعودي و«شاهد» -). تبدأ القصّة من سوق الهال في دمشق عبر محاولة أحد التجار الكبار النيل من أرملة لديها طفل صغير. وفي إحدى المرّات، يلتقط الطفل كيف دخل هذا الرجل إلى محلها وأغلق الأبواب، فتعلق في ذهنه فكرة أنّ والدته تعرّضت للاغتصاب... يمر الزمن ويكبر الطفل ليصبح شاباً ويصير أحد أقوى تجّار السوق، بل ندّاً شرساً للتاجر نفسه الذي علق في ذهنه من طفولته. تبدأ تصفية الحسابات، فيما نتابع قضية سجينة رأي كانت متزوجة من ضابط ثم تضعها نضالاتها خلف القضبان. وما إن تخرج إلى النور والحرية بعد شملها بعفو رئاسي، تكتشف بأن زوجها انفصل عنها وتزوّج ثانية ونسب طفلتها إلى زوجته الثانية حتى يتخلّص من كل عقبات الطريق الوعرة التي اختارتها.