في بداية العام الحالي، أطلق النجم المصري أحمد السقا مسلسله القصير «جولة أخيرة» (كتابة أحمد ندا ومحمد الشخيبي، وإخراج مريم أحمدي) وعرضه على منصة «أمازون برايم». يومها بدا نجم الأكشن المصري الأشهر حالياً واهناً وضعيفاً، ومسنّاً إلى درجةٍ لا تصدّق. ظهر جسده مترهلاً وحركته بطيئة، وبدا الكبر على ملامحه. لم يكن الأمر البتة مرتبطاً بشخصية الدكتور يحيى التي يلعبها، بل تعداها إلى أنَّ النجم المصري قد بدأ يشيخ. غرّد كثيرون عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن ذلك، وأشار الصحافيون إلى أنَّ السقا يهمل جسده وأداءه. وفي الموسم الرمضاني الحالي، يبدأ السقا مشاهد مسلسله الجديد «العتاولة» (كتابة هشام هلال ــ إخراج أحمد خالد موسى ــ إنتاج شركة «الصبّاح») بمشهدٍ يجمعه بالنجم طارق لطفي الذي يؤدي دور شقيقه، في حوار أشبه بالرد الفعلي على منتقديه، إذ يسأله لطفي: «تصدق بقى إن العيال دي بتقول عليك كبرت وراحت عليك؟» ليرد السقا بثقة بالغة: «أنا طول عمري كبير».
أحمد السقا في «العتاولة»

يأتي مسلسل «العتاولة» الذي تعرضه قناة mbc، في شبه استنساخٍ لفيلم عادل إمام وسعاد حسني «المشبوه» (كتابة إبراهيم الموجي ــ إخراج سمير سيف). يروي «العتاولة» (كما «المشبوه») حكاية «طفاش خزن» (أي لصّ يسرق الخزنات المصفّحة بالعامية المصرية) يدعى «نصّار» (أحمد السقا) يلتقي بـ «حنّة» (زينة) أثناء قيامه بعملية سرقة. اللقاء الذي بدا طبيعياً وعفوياً، وحتى صادقاً في «المشبوه»، لم يكن كذلك في «العتاولة»، إذ بدا غير منطقي والحكاية غير محبوكة. وفي حين ساعدت «بطة» (سعاد حسني) بطل العمل «ماهر» (عادل إمام)، لم تفعل «حنة» (زينة) ذلك. على العكس، كان وجودها في ساحة الجريمة ثقيلاً وغير منطقي. مساعدة «بطة» وشكلها اللطيف وسلوكها الجريء، دفعت «ماهر» إلى الإعجاب بها، ثم البحث عنها والزواج منها لاحقاً. أما في «العتاولة»، فقد غاب السبب الذي يجعل «نصّار» يقتنع ويعجب بها. لذلك لم يكن منطقياً أبداً افتتانه بها، مع ذلك وجد صنّاع العمل أنه أمرٌ «ضروري الحدوث». هذا لا يعني أن المسلسل غير مصنوع بمهارة، بل تتمثّل مهارة صنّاع العمل في الاختيار الناجح لأبطال العمل، وخصوصاً الثلاثي باسم سمرة (عيسى الوزان)، وطارق لطفي (خضر)، وأحمد السقا (نصاّر). يُضاف إليهم بالتأكيد الماهران فريدة سيف النصر (سترة) وصلاح عبدالله (خميس). يلعب الثلاثي الأوّل دور أبطالٍ يشتركون في مصلحة الجريمة عينها: الأخوان نصّار وخضر الشهيران بالعتاولة، وصديقهما الثالث عيسى الوزّان الذي انفصل عنهما وإن بقي الصراع/ التنافس محتدماً بينهم. في المقابل، نجد «الحاجة سترة » (فريدة سيف النصر) والدة نصّار وخضر، تؤدي باحترافية عالية تذكر بأدائها في شخصية «نعجة» في مسلسل «بدون ذكر أسماء» (2013 ـ تأليف وحيد حامد ـ إخراج تامر محسن). ويمكن القول بأنه لولا وجود سيف النصر في العمل، لكانت البطولة النسائية قد عانت الكثير، وخصوصاً مع بطلتي العمل مي كسّاب (عيشة)، وزينة (حنة)، اللتين تجاهدان كثيراً للتأدية، مع أنه بحسب الظاهر أن المسلسل حاول الاتكاء على نجاحهما السابق في بطولة «جعفر العمدة» في مواجهة محمد رمضان، حيث ظهرتا بصفتهما زوجتيه في العمل. حاولت كسّاب أن تحافظ على أداء كوميدي متوازن، لكنه بدا overacting في بعض اللحظات. بدوره، يؤدي صلاح عبدالله دور عمّ والدهما خميس الذي تاب عن حياة الإجرام، وإن كان هو الذي علّم نصّار المهنة وحرفة «الطفاش». إضافة عبدالله وسيف النصر إلى العمل، منحته الكثير من الثقل المحبّب والأهمية. باسم سمرة واحد من أفضل المؤدين المصريين في جيله، هو لا يمتاز بوسامة مدهشة، لكنّ شخصيته الطاغية وقدرته السلسة على تأدية أدوار الخير كما الشر، تجعله مرغوباً من المخرجين وصناع الدراما كما المشاهدين والمتابعين.
يحسب للمسلسل اهتمامه بالحارة المصرية ذات الكليشيهات المعتادة، حيث الشاب «الجدع» شبه «البلطجي» الذي يأخذ حقه بيده، يعشق والدته حد الجنون، ويطيعها ويحب المال، ويقدّر الصحبة لكنه يتعرّض كالعادة للخيانة «من أعز الناس». وبالتأكيد يردد كل الوقت «الإيفيهات الشهيرة والمعروفة»، ناهيك بتأديته أغنيات المهرجانات. أدائياً يؤدي السقا باحترافية عالية معيداً تذكير المشاهدين بأنه يظلّ المتنافس الأبرز على لقب أفضل ممثل عربي في جيله بالتوازي مع السوري تيم حسن، فالأول يؤدي دور «البلطجي/ الشوارعجي» المصري في «العتاولة» في حين يقدّم حسن الشخصية نفسها وإن بلكنة سورية في «تاج».
صُوّر جزء من المسلسل في الأوزاعي وطرابلس وغيرهما من المناطق اللبنانية

في الوقت نفسه، يظهر طارق لطفي مهاراتها التي شاهدناها في «جزيرة غمام» و«مذكرات زوج»، وصولاً إلى «ليلة السقوط» العام الفائت. يظهر لطفي نضجاً وقدرة فائقة على ارتداء الشخصية، فضلاً عن أنه أحد أفضل مَن يستخدم صوته في إعطاء الشخصية الكثير من الواقعية. ويمكن اعتبار لطفي من أفضل المؤدين في جميع مسلسلات هذا العام. تقنياً، يبدو أن المسلسل لم يصوّر بكليته في الإسكندرية كما تشير وقائعه، بل صوّر في لبنان ومناطق بحرية متعددة مثل الأوزاعي وطرابلس وسواهما، وهذا ما يبدو من أشكال المنازل وطريقة بنائها، فضلاً عن الشوارع والكومبارس وسواهم؛ وكانت مواقع إخبارية مصرية عدة قد نشرت أنّ «التصوير المسلسل يُستكمل في بيروت حيث تم بناء ديكور مخصّص لتصوير باقي مشاهد العمل». إخراجياً هناك بعض الأخطاء الواضحة التي تعود إلى بنية القصة الدرامية، لذلك لا يمكن لوم المخرج أحمد خالد موسى عليها، مثل مشاهد القتال بالعصي، حيث تساءل أحد المتابعين على مواقع التواصل: «هل هناك أحدٌ لا يزال يقاتل بالعصا في عصر الرصاص والبنادق والمسدسات؟».
باختصار، هو مسلسل خفيف وظريف، وخصوصاً لمحبّي أحمد السقا وطارق لطفي، لكنّ الكليشهات والسقطات الدرامية الكثيرة، تجعل العمل لا يعمّر طويلاً في عقول المشاهدين.

* «العتاولة»: «mbc مصر» (س: 19:00)، و«شاهد»